للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا مما يُستدل به على أن الصحابة كلهم كانوا معترفين بفضل أبي بكر وتقدُّمه عليهم، وعلمهم أنه لا يقوم مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - مع غيبته غيره.

وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر في هذا اليوم أبا بكر أن يؤم الناس إذا لم يحضر، فخرَّج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي هذا الحديث من طريق حماد بن زيد، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا بلال، إن حضرت الصلاة ولم آت؛ فمر أبا بكر يصلي بالناس".

وخرجه الحاكم من طريق عمر المقدمي، عن أبي حازم، وفي حديثه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أبا بكر، إن أقيمت الصلاة فتقدَّم فصلِّ بالناس،، قال: نعم، وعلى هذه الرواية فإنما تقدَّم أبو بكر بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - له في ذلك [قلت: تقدم بيان شذوذ هذه الرواية].

وفيه: دليل على أن أبا بكر كان أحق الناس بالإمامة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - عند تخلُّفه عن الصلاة بالناس في صحته ومرضه.

وهذا يشكل على قول الإمام أحمد: إنه إنما أمره في مرضه بالصلاة؛ لأنه أراد استخلافه على الأمة، فإن أمره بالصلاة في غيبته يدل على أنه أحق الناس بالإمامة، وأنه أقرأ الصحابة؛ فإنه يقرأ ما يقرؤون، ويزيد عليهم باختصاصه بمزيد الفهم والفضل، وما اختُصَّ به من الخشوع في الصلاة، وعدم الالتفات فيها، وكثرة البكاء عند قراءة القرآن.

ومنها: أن شقَّ الداخل في الصلاة الصفوفَ طولًا حتى يقوم في الصف الأول ليس بمكروه، ولعله كان في الصف الأول فرجة،

وقد قيل: إن ذلك يختص جوازه بمن تليق به الصلاة بالصف الأول لفضله وعلمه، ...

ومنها: أن الالتفات في الصلاة لحاجة عرضت غير مكروه، وإنما يكره لغير حاجة.

ومنها: أن الالتفات وكثرة التصفيق لحاجة غير مبطل للصلاة، وكذلك التأخر والمشي من صف إلى صف.

ومنها: أن رفع اليدين في الصلاة، وحمد الله تعالى عند نعمة تجددت غير مبطل للصلاة.

ومنها: أن أمر الإكرام لا تكون مخالفته معصية، ولهذا قال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينكر ذلك عليه.

وهذا مما استدل به من قال: إن أبا بكر لم يؤم النبي - صلى الله عليه وسلم - قط، لا في صحته ولا في مرضه.

ومنها -وهو الذي قصده البخاري بتبويبه هاهنا-: أن من أحرم بالصلاة إمامًا في مسجد له إمامٌ راتبٌ، ثم حضر إمامُه الراتبُ، فهل له أن يؤخِّر الذي أحرم بالناس إمامًا ويصيرَ مامومًا، ويصيرَ الإمامَ الإمامُ الراتب، أم لا؛ بل ذلك من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه إمام الناس على كل حال، وقد نهى الله عن التقدُّم بين يديه، ولهذا قال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ في ذلك قولان:

<<  <  ج: ص:  >  >>