للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أشد ما كانوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ثم أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن أمر من أصحابه بالهجرة إلى المدينة، فهاجر إلى المدينة، ثم شهد بدرًا مع من شهدها منهم".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهذا يبين أن الكلام حرم عليهم لما رجعوا من عند النجاشي، وعبد الله بن مسعود شهد بدرًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا خلاف، وهو الذي أجهز على أبي جهل بن هشام، فهذا يقتضي أن تحريم الكلام قبل بدر، سواء كان ابن مسعود رجع من الحبشة إلى مكة ثم هاجر، أو قدم من الحبشة إلى المدينة بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -" [مجموع الفتاوى (٢١/ ١٤٨)].

لكن قال ابن حبان: "هذه اللفظة عن زيد بن أرقم: كنا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يكلم أحدنا صاحبه في الصلاة، قد توهم عالمًا من الناس أن نسخ الكلام في الصلاة كان بالمدينة؛ لأن زيد بن أرقم من الأنصار، وليس كذلك؛ لأن نسخ الكلام في الصلاة كان بمكة عند رجوع ابن مسعود وأصحابه من أرض الحبشة، ولخبر زيد بن أرقم معنيان؛ أحدهما: أنه المحتمل أن زيد بن أرقم حكى إسلام الأنصار قبل قدوم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - المدينة حيث كان مصعب بن عمير يعلمهم القرآن وأحكام الدين، وحينئذ كان الكلام مباحًا في الصلاة بمكة والمدينة سواء، فكان بالمدينة من أسلم من الأنصار قبل قدوم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عليهم يكلم أحدهم صاحبه في الصلاة قبل نسخ الكلام فيها، فحكى زيد بن أرقم صلاتهم في تلك الأيام، لا أن نسخ الكلام في الصلاة كان بالمدينة، والمعنى الثاني: أنه أراد بهذه اللفظة الأنصار وغيرهم الذين كانوا يفعلون ذلك قبل نسخ الكلام في الصلاة على ما يقول القائل في لغته: فقلنا: كذا، يريد به بعض القوم الذين فعلوا لا الكل".

ثم قال بعد ذلك في موضع آخر: "لأن نسخ الكلام في الصلاة كان بمكة عند رجوع ابن مسعود من أرض الحبشة، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين".

وقال أيضًا: "وذلك أن زيد بن أرقم كان من الأنصار الذين أسلموا بالمدينة، وصلوا بها قبل هجرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إليها، وكانوا يصلون بالمدينة كما يصلي المسلمون بمكة في إباحة الكلام في الصلاة لهم، فلما نسخ ذلك بمكة نسخ كذلك بالمدينة، فحكى زيد ما كانوا عليه، لا أن زيدًا حكى ما لم يشهده".

وقد تعقبه ابن رجب فقال في الفتح (٦/ ٣٦٥) عن الاحتمال الأول: "هذا ضعيف؛ لوجهين:

أحدهما: أن في رواية الترمذي: كنا نتكلم خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، فدل على أنه حكى حالهم في صلاتهم خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلى المدينة.

والثاني: أنه ذكر أنهم لم يُنهَوْا عن الكلام حتى نزلت الآية، وهي إنما نزلت بعد الهجرة بالاتفاق، فعلم أن كلامهم استمر في الصلاة بالمدينة، حتى نزلت هذه الآية".

<<  <  ج: ص:  >  >>