وقال ابن عدي: "وهذا لقيس عن شعبة؛ لم أكتبه بعلو إلا عن المروزي، وأظنه لم يحدث به عن قيس غير عاصم".
قلت: قد توبع عليه عاصم كما ترى، وإنما المتفرد به قيس بن الربيع.
وقيس بن الربيع: ليس بالقوي، ضعفه غير واحد، وله أحاديث منكرة، وابتلي بابن له كان يدخل عليه ما ليس من حديثه فيحدث به [انظر: التهذيب (٣/ ٤٤٧)، الميزان (٣/ ٣٩٣)]، وهذا الحديث من مناكيره؛ فقد تفرد به عن شعبة دون أصحابه الثقات على كثرتهم، والحديث كما ترى رواه جماعة من الثقات الحفاظ عن خالد الحذاء، وليس فيه قضاء فائتة النافلة القبلية للظهر، ولهذا فقد أنكره الإمام أحمد على قيس بن الربيع:
• قال أبو داود في مسائله لأحمد (١٨٧٦): "ذكرت لأحمد حديث قيس بن الربيع، عن شعبة، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فاته الأربع قبل الظهر صلاها بعد الظهر.
فقال أحمد: يرويه غير واحد؛ ليس يذكرون هذا فيه؛ يعني: يروون حديث خالد عن عبد الله بن شقيق: سألت عائشة عن تطوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ أي: فليس هذا فيه".
• فإن قيل: روي عن خالد الحذاء من وجه آخر:
قال الترمذي في الجامع (٤٢٦): حدثنا عبد الوارث بن عبيد الله العتكي المروزي، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا لم يصلِّ أربعًا قبل الظهر صلاهنَّ بعدها.
ومن طريقه: أخرجه البغوي في شرح السُّنَّة (٣/ ٤٦٦/ ٨٩١).
قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب؛ إنما نعرفه من حديث ابن المبارك من هذا الوجه، ورواه قيس بن الربيع، عن شعبة، عن خالد الحذاء نحو هذا، ولا نعلم أحدًا رواه عن شعبة غير قيس بن الربيع، وقد روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا".
قلت: وهو كما قال الترمذي؛ بل هو غريب جدًّا من حديث ابن المبارك؛ حيث تفرد به عنه: عبد الوارث بن عبيد الله العتكي المروزي، وليس له في الكتب الستة غير هذا الموضع الوحيد، وترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (٦/ ٧٦) بقوله: "روى عن عبد الله بن المبارك الكثير، حتَّى روى عنه مسائل، سأله وسئل وهو حاضر"، وذكره ابن حبان في الثقات (٨/ ٤١٦)، وخرج له في صحيحه في مواضع، أغلبها من روايته عن ابن المبارك، وروى عنه جمع من الثقات [وانظر: تاريخ الإسلام (١٧/ ٢٦٣)، التهذيب (٢/ ٦٣٦)]، وروايته هذه غريبة من حديث ابن المبارك، حيث تفرد به عنه دون بقية أصحابه من المراوزة وغيرهم، وقد روى عن ابن المبارك جموع غفيرة من الثقات وغيرهم.
وعلى هذا فإن هذه الرواية لا تعضد ما قبلها، ولا تشهد لما بعدها، فإن الغرائب والمناكير لا تصلح في هذا الباب، والله أعلم.