للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجلوس سُنَّة لا ينبغي أن تجاوز لبين ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو بينه لرواه أصحابه عنه وبينوه، فإذا كان ذلك كذلك فللمصلي جالسًا أن يجلس كيف خفَّ عليه وتيسر، إن شاء تربع، وإن شاء احتبى، وإن شاء جلس في حال القراءة كما يجلس للتشهد وبين السجدتين، وإن شاء اتكأ، كل ذلك قد فعله السلف من التابعين ومن بعدهم، غير أن التربع خاصة قد روي عن غير واحد أنَّه كرهه، ورخصت فيه جماعة، واختارته أخرى، فأما الاحتباء والجلوس كجلسة التشهد فلا نعلم عن أحد من السلف لذلك كراهة"، ثم أطال في ذكر المنقول عن السلف في ذلك، وفي تعليل ما ذهبوا إليه.

وقال ابن المنذر (٤/ ٣٧٦) (٤/ ٤٣٤ - ط. الفلاح): "حديث حفص بن غياث قد تُكُلِّم في إسناده، روى هذا الحديث جماعة عن عبد الله بن شقيق ليس فيه ذكر التربع، ولا أحسب الحديث يثبت مرفوعًا، وإذا لم يثبت الحديث فليس في صفة جلوس المصلي قاعدًا سُنَّةٌ تُتَّبعُ، وإذا كان كذلك كان للمريض أن يصلي فيكون جلوسه كما سهل ذلك عليه، إن شاء صلى متربعًا، وإن شاء محتبيًا، وإن شاء جلس كجلوسه بين السجدتين، كل ذلك قد روي عن المتقدمين، ويشبه أن يكون من حجة من رأى أن يتربع في الصلاة: أن المصلي قائمًا لما كان حاله قائمًا غيرَ حاله جالسًا، وجب أن يفرق بين الحالتين، فيكون في حال قيامه متربعًا ليفصل بين حال قيامه وحال جلوسه".

وقال ابن العربي في المسالك في شرح الموطأ (٣/ ٤٨): "والجلوس في الصلاة ليست له صفة مخصوصة لا يجزئ إلا عليه، بل يجزئ على كل صفة من الاحتباء والتربع والتورك وغيرها".

• قلت: هكذا جزم هؤلاء الأئمة بتفرد أبي داود الحفري به عن حفص بن غياث، ثم وجدت له متابعًا عند الحاكم والبيهقي:

فقد روى الحاكم في المستدرك (١/ ٢٥٨)، وعنه: البيهقي في السنن الكبرى (٢/ ٣٠٥)، قال الحاكم: أخبرني محمد بن صالح بن هانئ: ثنا السري بن خزيمة: ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني: ثنا حفص بن غياث، عن حميد بن قيس، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة؛ أنها قالت: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي متربعًا".

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

قلت: هذا إسناد نيسابوري صحيح إلى ابن الأصبهاني، وهو: محمد بن سعيد بن سليمان الكوفي، أبو جعفر ابن الأصبهاني، يلقَّب حمدان، وهو: ثقة ثبت حافظ، والراوي عنه: السري بن خزيمة الأبيوردي: قال ابن حبان: "مستقيم الحديث"، وقال الحاكم: "هو شيخ فوق الثقة"، وقال الحسن بن يعقوب [أبو الفضل البخاري ثم النيسابوري: صدوق. تاريخ نيسابور (٢٤٢)، السير (١٥/ ٤٣٣)، تاريخ الإسلام (٢٥/ ٢٦٢)]: "ما رأيت مجلسًا أبهى من مجلس السري بن خزيمة، ولا شيخًا أبهى منه، كانوا يجلسون بين يديه وكأنما على رؤوسهم الطير، وكان لا يحدث إلا من أصل كتابه - رَحِمَهُ اللهُ -"، وقال الذهبي: "الإمام الحافظ الحجة، أبو

<<  <  ج: ص:  >  >>