* وحاصل ما تقدم: أنه لا يصح في هذا الباب سوى حديث أبي سعيد الخدري، وحديث أبى هريرة، والله أعلم.
وعليه: فقد صح في التحري: حديث ابن مسعود، وصح في البناء على اليقين: حديث أبي سعيد؛ فأما حديث ابن مسعود فقد دل على أن من كان عنده ظن غالب بنى عليه، وهو معنى قوله:"فليتحرَّ الصواب، فليتمَّ عليه"، وعليه أن يسجد حينئذ بعد السلام، فأما إذا شك واستوى عنده الطرفان، هل صلى ثلاثًا أم أربعًا؟ ولم يكن عنده ظن غالب يبني عليه؛ بنى على اليقين الذي هو الأقل، ويسجد حينئذٍ قبل السلام، لحديث أبي سعيد.
وأما حديث أبي هريرة: ففيه أنه لم يدر كم صلى، لكنه لم يأمره بالبناء على اليقين، ولا بالتحري، وإنما أمره بالسجود فقط، ويمكن الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد بما ذكره ابن حجر في الفتح (٣/ ١٠٤)، حيث قال: (يجمع بينهما بحمل حديث أبي هريرة على من طرأ عليه الشك وقد فرغ قبل أن يسلم، فإنه لا يلتفت إلى ذلك الشك، ويسجد للسهو كمن طرأ عليه بعد أن سلم، فلو طرأ عليه قبل ذلك بنى على اليقين كما في حديث أبي سعيد، وعلى هذا فقوله فيه:"وهو جالسًا، يتعلق بقوله: "إذا شك"، لا بقوله: "سجد"، وهذا أولى من قول من سلك طريق الترجيح، ... ، وقيل: يجمع بينهما بحمل حديث أبي هريرة على حكم ما يجبر به الساهي صلاته، وحديث أبي سعيد على ما يصنعه من الإتمام وعدمه"، والله أعلم.
• قال الإمام أحمد:"والشك على وجهين: يقين وتحرٍّ؛ فاليقين: كأنه شك في واحدة وثنتين، فواحدة لا يشك فيها، فيرجع إلى واحدة، وهو اليقين، وإذا شك في ثنتين أو ثلاث، رجع إلى ثنتين، وهو اليقين، فإذا رجع إلى اليقين سجدهما قبلُ، فإن كانت خامسة شفعتا صلاته، وإذا كانت رابعة كانتا ترغيمًا للشيطان.
والتحري: أن يكون يبني على أكثر وهمه، وأكثر ما يظن، فإذا ذهب إلى التحري سلم ثم سجد سجدتين بعد التسليم، ويتشهد فيهما" [مسائل ابن هانئ (٣٧١)] [وانظر أيضًا: مسائل صالح (١٣٣٨)، مسائل عبد الله (٣٠٨)، مسائل الكوسج (٣٠٧)، مسائل أبي داود (٣٦٨)، الأوسط لابن المنذر (٣/ ٢٨٦)،، قلت: ولم يثبت التشهد بعد سجدتي السهو من وجه يصح.
وقال ابن خزيمة (٢/ ١١٤) بعد حديث ابن مسعود في التحري: "في هذا الخبر: إذا بنى على التحري سجد سجدتي السهو بعد السلام، وهكذا أقول، وإذا بنى على الأقل سجد سجدتي السهو قبل السلام، على خبر أبي سعيد الخدري، ولا يجوز على أَصلي دفع أحد الخبرين بالآخر، بل يجب استعمال كل خبر في موضعه، والتحري: هو أن يكون قلب المصلي إلى أحد العددين أميل، والبناء على الأقل مسألة غير مسألة التحري، فيجب استعمال كلا الخبرين فيما روي فيه".
وقال ابن حبان في صحيحه (٦/ ٣٨٧): "قد يتوهم من لم يحكم صناعة الأخبار،