للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا تفقه من صحيح الآثار، أن التحري في الصلاة والبناء على اليقين واحد، وليس كذلك؛ لأن التحري هو أن يشك المرء في صلاته، فلا يدري ما صلى، فإذا كان كذلك عليه أن يتحرى الصواب، وليبن على الأغلب عنده، ويسجد سجدتي السهو بعد السلام على خبر ابن مسعود، والبناء على اليقين: هو أن يشك المرء في الثنتين والثلاث، أو الثلاث والأربع، فإذا كان كذلك عليه أن يبني على اليقين وهو الأقل، وليتمَّ صلاته، ثم يسجد سجدتي السهو قبل السلام على خبر عبد الرحمن بن عوف، وأبي سعيد الخدري، سنتان غير متضادتين"، وقال نحوه في موضع آخر (٦/ ٣٩١).

وقال ابن المنذر في الأوسط (٣/ ٣١٣) (٣/ ٥٠٧ - ط. الفلاح): "وأصح هذه المذاهب: مذهب أحمد بن حنبل؛ لأنه قال بالأخبار كلها في مواضعها، وقد كان اللازم لمن مذهبه استعمال الأخبار كلها إذا وجد إلى استعمالها سبيلًا أن يقول بمثل ما قال أحمد، وذلك كقول من قال: إن خبر أيوب في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في الصحاري، والقول بإباحة ذلك في المنازل استدلالًا بخبر ابن عمر، وإمضاء الأخبار التي رويت في صلاة الخوف على وجهها، والقول بها في مواضعها، وغير ذلك مما يطول الكتاب بذكره".

وقال أيضًا (٣/ ٢٨٥): "إسناد خبر عبد الله بن مسعود هذا إسناد ثابت، لا أعلم أحدًا من أصحابنا دفعه.

وقد اختلفوا في تأويله، فقالت طائفة من أصحاب الحديث: خبر ابن مسعود هذا، وخبر ابن عباس، وأبي سعيد الخدري: ثابتة كلها، يجب القبول بها في مواضعها، فإذا شك المصلي في صلاته، وله تحري، والتحري: أن يميل قلبه إلى أحد العددين، وجب عليه استعمال حديث عبد الله، ويبني على العدد الذي مال إليه قلبه، ويسجد سجدتي السهو بعد السلام على ما في حديث عبد الله بن مسعود، وإذا لم يكن له تحري، ولا يميل قلبه إلى أحد العددين بنى على اليقين، على ما في حديث ابن عباس، وأبي سعيد، ويسجد سجدتي السهو قبل السلام"، ... إلى أن قال: "ومن قال بخبر أبي سعيد وابن عباس في موضعهما، وبخبر ابن مسعود في موضعه، قال: علينا إذا ثبتت الأخبار أن نمضيها كلها، ونستعمل كل خبر في موضعه، وإذا ثبت الخبر ارتفع النظر، ومعنى خبر ابن مسعود غير معنى خبر أبي سعيد، وإذا كان كذلك لم يجز أن يترك أحدهما؛ لأن الآخر أشبه بالنظر".

لكن قال ابن عبد البر في التمهيد (٥/ ٢٥) عن حديث أبي سعيد الخدري: "وفي هذا الحديث من الفقه أصل عظيم جسيم مطرد في أكثر الأحكام، وهو أن اليقين لا يزيله الشك، وأن الشيء مبني على أصله المعروف حتى يزيله يقين لا شك معه، وذلك أن الأصل في الظهر أنها فرض بيقين أربع ركعات، فإذا أحرم بها ولزمه إتمامها وشك في ذلك، فالواجب الذي قد ثبت عليه بيقين لا يخرجه منه إلا يقين، فإنه قد أدى ما وجب عليه من ذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>