الإدراج، أو القلب، حيث قال أبو هريرة في أوله: خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار فجلست معه، فحدثني عن التوراة، وحدثته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان فيما حدثته، أن قلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أهبط من الجنة، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، ... " الحديث.
* ومنها: أن الحديث محفوظ من حديث أبي هريرة مرفوعًا، لا من قول كعب الأحبار، فيما رواه ثلاثة من كبار الحفاظ، عن أحد أثبت أصحاب أبي هريرة، وأكثرهم عنه رواية:
فقد رواه أبو الزناد، وابن شهاب الزهري، وجعفر بن ربيعة، ثلاثتهم عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة" لفظ أبي الزناد.
* ومنها: أن هذا الذي أعلَّ به ابن خزيمة هذا الحديث لا يخفى مثله على مسلم، ثم هو يُعرِض عن حديث يحيى بن أبي كثير، ويخرج في صحيحه حديث الأعرج عن أبي هريرة مرفوعًا من وجهين، مصححًا له، محتجًا به، وهو الصواب، والله أعلم.
* ومنها: أن الإمام مالكًا، وما أدراك ما مالك؟! قد اعتمد رواية يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا [وهو حديث الباب]، فأخرجه في موطئه، وشأن مالك في الاحتياط في الحديث معلوم مشهور، قال الشافعي:"إذا جاء الحديث عن مالك فشُدَّ به يدك"، وقال أيضًا:"كان مالك إذا شكَّ في بعض الحديث طرحه كله"، وقال ابن عيينة:"كان مالك لا يُبلِّغ من الحديث إلا صحيحًا، ولا يحدث إلا عن ثقة"، وقال أبو حاتم لابن معين:"مالك قلَّ حديثه؟ فقال: بكثرة تمييزه"، وقال أبو حاتم:"ومالك: نقيُّ الرجال، نقيُّ الحديث، وهو أنقى حديثًا من الثوري والأوزاعي"، وقال ابن حبان:"ولم يكن يروي إلا ما صح"، والنقل في هذا يطول لكني اكتفيت بالإشارة، وقد كان مالك يترك بعض حديثه توقيًا، لا سيما إذا لم يكن عليه العمل، وكان شديد الانتقاء لما صح من الحديث، ولا يحدث إلا بما صح عنده، حتى قال ابن عبد البر في التمهيد:"وبلاغاته إذا تفقدِّت لم توجد إلا صحاحًا"، لذا فقد ترك حديثًا كثيرًا مما سمعه من مشايخه لم يحدث به لأسباب عديدة [الجرح والتعديل (١/ ١٤). الثقات (٧/ ٤٥٩)، الكامل (١/ ٩١)، الحلية (٦/ ٣٢١)، التمهيد (١/ ٧٤) و (١٣/ ١٨٨)، ترتيب المدارك (١/ ٧٣ - ٧٥)، السير (٨/ ٧٣)].
وبناء على ما تقدم فإن رواية يحيى بن أبي كثير خطأ، لا سيما وقد اختلف عليه فيها، وإن كان الأقرب إلى الصواب - من حديث يحيى - وقفُه على أبي هريرة، وهو تقصير من يحيى في رفع الحديث، إذ المحفوظ رفعه كما بينت آنفًا، والله أعلم.
٦ - وما رواه العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال