للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن أنس بن مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ فأدخل أصابعه تحت لحيته.

أخرجه محمد بن يحيى الذهلي في "علل حديث الزهري".

ثم قال: "المحفوظ عندنا حديث يزيد بن عبد ربه، وحديث الصفار: واهٍ" [بيان الوهم (٥/ ٢٢٥ - ٢٢١)، تهذيب السنن (١/ ١٩٠)، التلخيص (١/ ٨٦)].

لكن لم يرُق هذا المذهب في الإعلال لابن القطان فقال عن الإسناد الأول الشاذ: "هذا الإسناد صحيح؛ ولا يضره رواية من رواه عن محمد بن حرب عن الزبيدي أنه بلغه عن أنس، فقد يراجع كتابه فيعرف منه أن الذي حدثه به هو الزهري، فيحدث به، فيأخذه عنه الصفار وغيره، وهذا الذي أشرت إليه هو الذي اعتل به عليه محمد بن يحيى الذهلي حين ذكره".

فتعقبه ابن القيم في تهذيب السنن (١/ ١٩٠)، فقال: "وهذه التجويزات لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله، ويعلمون أن الحديث معلول بإرسال الزبيدي له، ولهم ذوق لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات والاحتمالات".

قلت: هذا هو التحقيق، وكلام ابن القطان هذا نقبله إذا كان الذين اختلفوا علي محمد بن حرب الحمصي سواءً في الحفظ والضبط، ومن بلد واحد، وممن صاحب الرجل، أو يكون الذين رووه متصلًا أكثر عددًا وحفظًا، لكن الأمر هنا بخلاف ذلك.

فإن إعلال الذهلي له هو الصحيح، وهو الذي يجري على قواعد المحدثين: فتقديم رواية ابن عبد ربه على غيره لها أسباب، منها:

الأول: أن يزيد بن عبد ربه أوثق من كلا الرجلين اللذين وصلا الحديث.

الثاني: أن يزيد بلدي لمحمد بن حرب وللزبيدي فثلاثتهم حمصيون، وأما ابن أبي كريمة والصفار فمن الغرباء، ومن المعلوم أن الوهم يقع في رواية الغرباء بسبب عدم طول صحبتهم للشيخ، ولأمور أخرى تعرض للتلميذ حال أخذه عن شيخ ليس من بلده، بخلاف رواية الثقات من أهل البلد فالغالب على روايتهم الاستقامة بسبب طول الصحبة، وكثرة السماع، فإنه قد يسمع مرويات شيخه كلها مرة أو مرتين أو ثلاثًا أو أكثر حسب ملازمته لشيخه، بخلاف الغريب.

وعلى هذا نقول: إن رواية الحديث الذي عُرف في بلده أولى وأصح من الحديث الذي لم يعرف إلا خارجها، فأين أصحاب محمد بن حرب حين حدث به متصلًا.

الثالث: أن يزيد بن عبد ربه حمصي ثقة معروف بالرواية عن محمد بن حرب، بخلاف الآخرين فإنهما لا يعرفان بالرواية عنه، والله أعلم.

الرابع: أن هذين الغريبين: ابن أبي كريمة والصفار قد سلكا فيه الجادة والطريق السهل بخلاف ابن عبد ربه.

لذا فقد أدرك الحافظ ابن حجر هذه العلة فقال في التلخيص (١/ ١٥٠) بعد الرواية المتصلة: "رجاله ثقات؛ إلا أنه معلول ... " ثم ذكر الرواية الأخرى ثم قال: "وصححه الحاكم قبل ابن القطان أيضًا، ولم تقدح هذه العلة عندهما فيه".

<<  <  ج: ص:  >  >>