للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قيل: قد نفى جماعة من الأئمة سماع خالد من جماعة هم من طبقة أبي المليح أو أقدم منه، فقالوا بأن خالدًا الحذاء لم يسمع من أبي العالية الرياحي رفيع بن مهران [ووفاته سنة (٩٣) أو بعدها]، ولا من أبي عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل [ووفاته سنة (٩٥) أو بعدها]، ولا من عامر بن شراحيل الشعبي [ووفاته كانت بعد المائة،، ولا من عراك بن مالك [ووفاته كانت ما بين (١٠١ - ١٠٥)].

فيقال: قد سمع خالد من جماعة هم من نفس هذه الطبقة أيضًا، مثل محمد بن سيرين، وعكرمة مولى ابن عباس، وأبي الضحى مسلم بن صبيح.

فإن قيل: فإن ذلك يجعل النفس لا تطمئن إلى سماعه من أبي المليح؛ لا سيما وقد اختلفوا في تأريخ وفاة أبي المليح فيما بين (٩٨ - ١١٢)، والبخاري ومسلم إنما أخرجا لخالد الحذاء عن أبي المليح بواسطة أبي قلابة [البخاري (١٩٨٠ و ٦٢٧٧)، مسلم (١١٥٩)]، والله أعلم.

فيقال: قد ثبت في صحيح مسلم أن خالدًا سمع من أبي المليح، قال مسلم في صحيحه (١١٤١): حدثنا سريج بن يونس: حدثنا هشيم: أخبرنا خالد، عن أبي المليح، عن نبيشة الهذلي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيام التشريق أيام أكل وشرب".

ثم قال مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير: حدثنا إسماعيل - يعني: ابن علية -، عن خالد الحذاء: حدثني أبو قلابة، عن أبي المليح، عن نبيشة، قال خالد: فلقيت أبا المليح، فسألته فحدثني به، ....

* وعلى هذا: فإن الحديث محفوظ عن خالد الحذاء على الوجهين، وكلاهما متصل صحيح الإسناد؛ إلا أن له علة:

فإن خالدًا الحذاء قد خالف من هو أحفظ منه - وهو قتادة بن دعامة - في موضعين من هذا الحديث:

الأول: جعله قتادة في حنين، وجعله خالد في الحديبية.

الثاني: قال قتادة: في يوم مطير، فوصف المطر بصيغة المبالغة، والتي يترتب عليها وقوع الضرر على المكلف إذا خرج إلى الصلاة في مثل هذه الحال، بينما قال خالد: فأصابنا مطر لم يبل أسفل نعالنا، وهذا لو حملنا معنى النعال فيه على ظاهره المتبادر إلى الذهن، وهي النعال التي تلبس في القدم، لكان معناه: مطرًا خفيفًا جدًّا ابتلت منه أسفل النعل، ومثل هذا المطر لا يترتب فيه على المكلف ثمة مشقة تعوقه عن حضور الجماعة والجمعة، بخلاف المطر الغزير والمتواصل، فكان خالد بذلك مخالفًا في روايته لرواية قتادة، وهو الأحفظ.

لذا فإن رواية قتادة عندي أشبه بالصواب من رواية خالد، وخالد بن مهران الحذاء: وثقه أحمد وابن معين والنسائي وابن سعد والعجلي، وضعَّف أمرَه ابنُ علية، وقال حماد بن زيد: "قدم علينا قدمةً من الشام، فكأنا أنكرنا حفظه"، وقال أبو حاتم: "يكتب حديثه، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>