وقال أبو داود في مسائله (٤٠٠): "قلت لأحمد: قوله مصر جامع، ما معنى مصر جامع؟ قال: إذا كان فيه الناس يجتمعون".
وقال إسحاق: "لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع، والمصر القرية الجامعة" [الأوسط (٤/ ٢٩٤)].
وقال أيضًا: "القرى إذا كانوا أربعين، فإنه يسعها أن يقال: هذا مصر جامع" [مسائل إسحاق الكوسج (٥٠٩)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن أثر علي هذا: "فلو لم يكن له مخالف؛ لجاز أن يراد به: أن كلَّ قريةٍ مصرٌ جامع، كما أن المصر الجامع يسمى قرية، وقد سمى الله مكة قريةً، بل سماها أمِّ القرى، بل وما هو أكبر من مكة، كما في قوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (١٣)} [محمد: ١٣]، وسمى مصر القديمة قريةً بقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: ٨٢]، ومثله في القرآن كثير، والله أعلم" [مجموع الفتاوى (٢٤/ ٢٠٩)].
• وعلى هذا فإن قول علي هذا لا يخالف ما صح عن عمر بن الخطاب:
فقد روى شعبة، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، قال: كتبتُ إلى عمر بن الخطاب أسأله عن الجمعة بالبحرين؟ فكتب إليَّ: أن جمِّعوا حيثما كنتم.
أخرجه مسدد بن مسرهد في مسنده (٤/ ٦٤٤/ ٦٨٠ - مطالب)، وابن أبي شيبة (١/ ٤٤٠/ ٥٥٦٨)، وابن خزيمة [عزاه إليه البيهقي في المعرفة (٢/ ٤٦٧)]، وابن حزم في المحلى (٥/ ٥٠).
هكذا رواه عن شعبة: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن إدريس، وعيسى بن يونس [وهم ثقات حفاظ، وفيهم اثنان من أثبت أصحاب شعبة].
• وخالفهم: مسلم بن إبراهيم [الفراهيدي: ثقة مأمون]، قال: ثنا شعبة، عن عطاء بن أبي ميمونة، أن أبا هريرة كتب إلى عمر بن الخطاب وهو بالبحرين، يسأله عن الجمعة، فكتب إليه عمر أن: جمعوا حيث ما كنتم.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (٤/ ٣٢/ ١٧٥٠).
والذي يغلب على ظني أن سقوط أبي رافع من إسناد ابن المنذر قد يكون سهوًا من بعض النساخ، وليس وهمًا من مسلم بن إبراهيم، والمحفوظ رواية الجماعة، والله أعلم.
وهذا موقوف على عمر، بإسناد صحيح على شرط الشيخين [انظر: البخاري (٦١٩٢)، مسلم (٢١٤١)].
قال الإمام أحمد: "هذا إسناد جيد" [المغني (٢/ ٩١)، الفتح لابن رجب (٥/ ٣٨٩)].
وقال ابن حجر في الفتح (٢/ ٣٨٠): "وصححه ابن خزيمة".