فيقال: لا تعارض بينهما؛ فإن حديث النعمان إنما سيق أصالة لبيان القراءة في صلاتي العيد والجمعة، وأنهما إذا اجتمعا فلم يكن يغاير في القراءة فيهما، وإنما يقرأ فيهما بنفس السورتين، فهو لا يعدو الإخبار عن حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثل ذلك، لكن يؤخذ من الحديث بدلالة الاقتضاء أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقيم الصلاتين جميعًا إذا اجتمعا في يوم واحد، وأما أحاديث الباب فقد سيقت أصالة لبيان حكم اجتماع الصلاتين في حق المأمومين، ولبيان الرخصة للمامومين الذين حضروا صلاة العيد؛ أن لا حرج عليهم ألا يحضروا الجمعة مع الإمام، فإن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمأمومين:"من شاء أن يصلِّيَ، فليُصل"، وفي رواية:"من شاء أن يجمِّع، فليُجمِّع"، فإن هذا الخطاب موجة لمن حضر معه صلاة العيد، أن من شاء منهم أن يصلي الجمعة فليأت إليها، وهل كانت تقام الجمعة إلا في مسجده - صلى الله عليه وسلم -؟ وهل كان لهم إمام سواه - صلى الله عليه وسلم -؟ فدل الحديث بمنطوقه على الرخصة للمأموم في عدم شهود الجمعة لمن شهد العيد، ودل بمفهومه على إقامة النبي - صلى الله عليه وسلم - للصلاتين جميعًا، وقد جاء ذلك صريحًا في مرسل ذكوان أبي صالح، حيث قال: اجتمع عيدان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:"إنكم قد أصبتم خيرًا وذكرًا، وإنا مجمِّعون، فمن شاء أن يجمِّع فليجمِّع، ومن شاء أن يرجع فليرجع"، وفي رواية:"إنه قد اجتمع لكم عيدانِ، وقد أصبتم ذكرًا وخيرًا، وإنا مجمِّعون، فمن شاء أن يأتينا فليأتنا، ومن شاء أن يجلس فليجلس".
وبذا يتبين أن حديث النعمان لم يتعرض لحكم المأمومين عند اجتماع العيدين، وإنما تعرض لحكم الإمام، بخلاف أحاديث الباب.
وأما أهل العالية الذين وقع لهم الإذن في موقوف عثمان بن عفان، ومرسل عمر بن عبد العزيز؛ فإنهم ممن تلزمهم الجمعة لما سبق تقريره تحت الحديث رقم (١٠٥٦)، من أن الجمعة تجب على من سمع النداء لعموم الآية، وأن الصوت الندي في الليل عند هدوء الأصوات يمكن أن يسمع من ثلاثة أميال، ومن ثم فإن أهل العالية ممن تجب عليهم الجمعة، وفي حديث عائشة [المتقدم برقم (١٠٥٥)] دلالة على ذلك، وذلك خلافًا لما ذهب إليه: الثوري وأبو حنيفة والشافعي: أن إذن عثمان كان لمن لا تلزمه الجمعة من أهل العوالي [الاستذكار (٢/ ٣٨٤)]؛ فكيف يؤذن لهم في عدم شهود الجمعة دون غيرهم مع دخول الجميع في عموم الخطاب، فيقال: خصوا بذلك لشدة المشقة عليهم في الحضور وانتظار الجمعة، بخلاف من كان قريبا من المسجد النبوي، وإن كانوا أيضًا داخلين في عموم الإذن بعدم الحضور، لكن لما كانت شدة المشقة ظاهرة فيمن كان خارج المدينة خصوا بالإذن تخفيفًا عليهم، حتى يرجعوا إلى أهليهم وذراريهم فيدخلون السرور عليهم في العيد، وقول عثمان لهم: فمن أحبَّ أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنتُ له، يظهر منه أن من جلس منهم لشهود الجمعة فاته تحصيل مقصود العيد من التوسعة عليهم وإدخال الفرح والسرور، وفيه تكدير لمقصود عيدهم، وما سن لهم من السرور فيه والانبساط، فإذا حبسوا عن ذلك عاد العيد على مقصوده بالإبطال أقاله أبو