وعن غيرهم أيضًا، ولا تخلو هذه الأحاديث من مقال، أو اختلاف في أسانيدها، وفي الصحيح غنية؛ إذ يثبت به الحكم المراد، والله أعلم.
• قال مالك: "لا أكره الصلاة نصف النهار إذا استوت الشمس في وسط السماء لا في يوم جمعة ولا في غير ذلك"، قال: "ولا يُعرف هذا النهي"، قال: "وما أدركتُ أهلَ الفضلِ والعُبَّادَ إلا وهم يهجرون ويصلون نصف النهار في تلك الساعة، ما يتقون شيئًا في تلك الساعة" [المدونة (١/ ١٠٧)، التمهيد (٤/ ١٧)].
قلت: أما النهي فقد ثبت، فوجب العمل بما دل عليه الدليل، ولا حجة في قول أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إلا أنه يستثنى يوم الجمعة لعموم الأدلة السابق إيرادها آنفًا.
وقال الشافعي في الأم (٢/ ٣٩٨): "فإذا راح الناس للجمعة صلوا حتى يصير الإمام على المنبر، فإذا صار على المنبر كفَّ منهم من كان صلى ركعتين فأكثر، وكلم حتى يأخذ في الخطبة، فإذا أخذ فيها أنصت استدلالًا بما حكيتُ، ولا يُنهى عن الصلاة نصف النهار من حضر يوم الجمعة".
وقال أيضًا: "من شأن الناس: التهجير إلى الجمعة، والصلاة إلى خروج الإمام" [المعرفة (٢/ ٢٧٩)].
وقال في القديم: "وخبر ثعلبة عن عامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار الهجرة: أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة، ويتكلمون والإمام على المنبر" لمعرفة للبيهقي (٢/ ٤٧٧)، التمهيد (٤/ ١٩)].
قال ابن عبد البر تعليقًا عليه في التمهيد (٤/ ١٩): "كأنه يقول: النهي عن الصلاة عند استواء الشمس صحيح، وخص منه يوم الجمعة بما روي من العمل الذي لا يكون مثله إلا توقيفًا، وبالخبر المذكور أيضًا، وبقَّى سائرَ الأيام موقوفةً على النهي".
وبهذا القول - وهو النهي عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة -: قال معاوية بن قرة، والحسن البصري، والحكم، والحسن بن حي، وأبو يوسف [انظر: مصنف ابن أبي شيبة (١/ ٤٦٩ و ٤٧٠)، الأوسط لابن المنذر (٤/ ٩١)، اختلاف العلماء للطحاوي (١/ ٢٣٦ - مختصره)، التمهيد (٤/ ١٩)].
وبهذا القول نكون قد أعملنا جميع أدلة الباب، دون أن نهمل شيئًا منها، وهو الصواب، والله أمحلم.
• وقد قال الإمام أحمد بكراهية الصلاة في هذا الوقت مطلقًا:
ذكر الأثرم قال: "سألت أبا عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل - عن الصلاة نصف النهار يوم الجمعة؟ فقال: يعجبني أن تتوقاها، فذكرت له حديث ثعلبة بن أبي مالك القرفي: كنا نصلي يوم الجمعة حتى يخرج عمر، قلت له: هذا يدل على الرخصة في الصلاة نصف النهار؟ فقال: ليس في هذا بيان؛ إنما جاء الكلام مجملًا، كنا نصلي، ثم قال: لا، ولكن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه: إنما نهى عن الصلاة نصف النهار وعند طلوع