والمعتمر بن سليمان، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وعبد الله بن بكر، وأبو خالد سليمان بن حيان الأحمر، ومحمد بن إسحاق:
قال ابن المبارك: أخبرنا حميد، عن أنس، قال: كنا نبكِّر بالجمعة، ونقيل بعد الجمعة.
وقال أبو إسحاق الفزاري: عن حميد، قال: سمعت أنسًا، ... بنحوه، ولفظ شعبة: كنا نقيل بعد الجمعة.
ولفظ ابن إسحاق [من رواية إبراهيم بن سعد عنه، عند ابن حبان]، قال: حدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة، ثم نرجع فنَقِيل.
أخرجه البخاري (٩٠٥ و ٩٤٠)، وابن ماجه (١١٠٢)، وابن خزيمة (٣/ ١٧٠/ ١٨٤١) و (٣/ ١٨٤/ ١٨٧٧)، وابن حبان (٧/ ٤٩/ ٢٨٠٩) و (٧/ ٥٠/ ٢٨١٠)، وأحمد (٣/ ٢٣٧)، وابن أبي شيبة (٢/ ٤٤٤/ ٥١٢٤)، والبيهقي (٣/ ٢٤١).
قلت: لا تعارض بينهما؛ وهذا محمول على التبكير بالجمعة في أول وقتها بعد الزوال.
• قال ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري (٢/ ٤٩٨): "وقوله: كنا نبكِّر بالجمعة، فإنما يريد أنهم كانوا يصلونها بعد الزوال في أول الوقت، وهو وقت الرواح عند العرب، وقوله: نقيل بعد الجمعة؛ يعني: أنهم كانوا يقيلون بعد الصلاة بدلًا من القائلة التي امتنعوا منها بسبب تبكيرهم إلى الجمعة".
وقال ابن حجر في الفتح (٢/ ٣٨٨): "التبكير يطلق على فعل الشيء في أول وقته، أو تقديمه على غيره، وهو المراد هنا، والمعنى: أنهم كانوا يبدؤون بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر في الحر، فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإبراد".
والآثار المروية عن الصحابة وغيرهم في القيلولة بعد الجمعة تؤكد هذا المعنى، وإلا لكان معناه أن الأصل عندهم أن تصلى الجمعة ضحى ثم ينصرفون منها للقيلولة قبل الزوال، وأن من صلاها بعد الزوال فلا حرج عليه، وهذا لا يقول به المخالفون، وإنما المراد: أنهم لما تركوا القيلولة قبل الظهر لأجل تبكيرهم في الرواح إلى الجمعة، وحبسهم أنفسهم في المسجد للعبادة، وانتظار خروج الإمام، فلما فرغوا من الصلاة عادوا إلى بيوتهم، فأخذوا حظهم من الراحة عوضًا عما تركوه لأجل تحصيل أجر التبكير إلى الجمعة، ويؤيد صحة هذا المعنى: حديث سهل بن سعد الآتي برقم (١٠٨٦)، ففي رواية له: كنا نصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الجمعة، ثم تكون القائلة بعدُ، والله أعلم.