صلى ركعتين في المسجد، وكان ينصرف إلى بيته قبل ذلك اليوم.
ثم استوى فاستقبل الناس بوجهه، فتبعت له الأنصار أو من كان منهم، حتى وفي بهم إليه، فقال:"يا معشر الأنصار! "، قالوا: لبيك أي رسول اللَّه! فقال: "كنتم في الجاهلية إذ لا تعبدون اللَّه تحملون الكَلَّ، وتفعلون في أموالكم المعروف، وتفعلون إلى ابن السبيل، حتى إذا منَّ اللَّه عليكم بالإسلام ومنَّ عليكم بنبيه؛ إذا أنتم تحصِّنون أموالكم، وفيما يأكل ابنُ آدم أجرٌ، وفيما يأكل السبعُ أو الطيرُ أجرٌ"، فرجع القوم فما منهم أحد إلا هدم من حديقته ثلاثين بابًا. لفظ السعدي مختصر، وقد يكون آخره تحرف مما في رواية الحجبي: فانصرف القوم فما بقي أحدٌ إلا هدم في ماله ثُلْمتين أو ثلاثًا؛ يعني: هدم في حيطان بساتينهم ليدخل الفقراء فيأكلوا من التمر.
أخرجه ابن خزيمة (٣/ ١٨٣/ ١٨٧٢)، وابن حبان (٦/ ٢٣٢/ ٢٤٨٤)، والحاكم (٤/ ١٣٣)، والطبراني في الأوسط (٣/ ٣٢/ ٢٣٧٩)، والبيهقي في الشعب (٣/ ٢٦٦/ ٣٥٠٠)(٦/ ٩٩/ ٣٢٢٤ - ط. الأوقاف القطرية).
قال ابن خزيمة:"إن صح الخبر؛ فإني لا أقف على سماع موسى بن الحارث في جابر بن عبد اللَّه"، وقال أيضًا بأنه خبر فريب [الإتحاف (٣/ ٥٧٩/ ٣٧٩٠)].
وقال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفيه النهي الواضح عن تحصين الحيطان والنخيل وغيرها من أنواع الثمار عن المحتاجين والجائعين أن يأكلوا منها، وقد خرج الشيخان -رضي اللَّه عنهما- حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا دخل أحدكم حائط أخيه فليأكل منه ولا يتخذ خُبنة"".
فتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله:"عاصم إمام مسجد قباء، خرج له النسائي، ولكن مَن شيخه؟ ".
وقال الطبراني:"لا يروى هذا الحديث عن جابر إلا بهذا الإسناد، تفرد به الحجبي".
قلت: بل تابعه علي بن حجر السعدي، وهما ثقتان، لكن الشأن فيمن فوقهما.
وقال ابن رجب في الفتح (٥/ ٥٣٧): "وقال بعض المتأخرين: محمد بن موسى بن الحارث: لا يُعرف، وخرجه البزار في مسنده، وعنده: عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبيه، عن جابر، فإن كان ذلك محفوظًا، فهو موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، وهو منكر الحديث جدًا".
قلت: هو حديث منكر؛ موسى بن الحارث: ذكره ابن حبان في الثقات (٥/ ٤٠٥)، ولا يُعرف إلا برواية ابنه عنه، فهو في عداد المجهولين، ولا يُعرف له سماع من جابر، كما قال ابن خزيمة، وابنه: محمد بن موسى بن الحارث: ذكره ابن حبان في الثقات (٧/ ٣٩٧)، ولا يُعرف أيضًا إلا برواية هذا الحديث؛ فهو مجهول أيضًا [وانظر: اللسان (٧/ ٥٣٦)].