ففي رواية المسعودي هذه نفي التنكيس، والجزم بأن التحويل والقلب المذكور إنما هو بجعل ما على اليمين على اليسار، وما على اليسار على اليمين.
وعلى هذا فإن حديث عمارة بن غزية: حديث شاذ بهذه الزيادة التي انفرد بها دون بقية من روى الحديث من الحفاظ الثقات عن عباد بن تميم، وقد أعرض البخاري ومسلم عن روايته هذه، فلم يخرجاها، لما فيها من الشذوذ، واقتصرا على إخراج حديث الجماعة في التحويل والقلب، واللَّه أعلم.
فإن قيل: فلعلها زيادة لا مفهوم لها، ولا تأثير لها في الحكم، ولم يقل بها أحد من العلماء، فيقال: قد قال بها، وعمل بظاهرها: الإمام الشافعي، فقال في الأم (٢/ ٥٥٠) بعد أن رواه عن الدراوردي مرسلًا: "وبهذا أقول فنأمرُ الإمامَ أن ينكِّس رداءَه فيجعلَ أعلاه أسفله، ويزيد مع تنكيسه فيجعل شقَّه الذي على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر، والذي على منكبه الأيسر على منكبه الأيمن، فيكون قد جاء بما أراد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من نكسه، وبما فعل من تحويل الأيمن على الأيسر إذا خفَّ له رداؤه، فإن ثقُل فعل ما فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من تحويل ما على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر، وما على منكبه الأيسر على منكبه الأيمن".
وقال ابن المنذر في الأوسط (٤/ ٣٢٣): "وممن كان يرى أن يجعل اليمين الشمال والشمال اليمين: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وحكي ذلك عن ابن عيينة، وعبد الرحمن بن مهدي، وإسحاق بن راهويه، وكان الشافعي يقول بذلك إذ هو بالعراق ثم رجع عنه، وفيه قول ثان قاله الشافعي، آخر قوليه، قال:. . . " ثم ذكره كما نقلناه آنفًا من الأم.
وقال مالك في المدونة (١/ ١٦٦): "وحوَّل رداءه قائمًا، يجعل الذي على يمينه على شماله، والذي على شماله على يمينه، مكانه حين يستقبل القبلة، ولا يقلبه فيجعل الأسفل الأعلى والأعلى الأسفل".
وهذا هو الصواب الموافق لرواية الجماعة عن عباد بن تميم، واللَّه أعلم.
* * *
١١٦٥ - قال أبو داود: حدثنا النفيلي، وعثمان بن أبي شيبة، نحوه، قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل: حدثنا هشام بن إسحاق بن عبد اللَّه بن كنانة، قال: أخبرني أبي، قال: أرسلني الوليد بن عتبة -قال عثمان: ابن عقبة-، وكان أميرَ المدينة، إلى ابن عباس، أسأله عن صلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الاستسقاء، فقال: خرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- متبذِّلًا متواضعًا متضرِّعًا، حتى أتى المصلَّى -زاد عثمان: فرقِيَ على المنبر، ثم اتفقا- فلم يخطُب خُطَبكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء، والتضرع، والتكبير، ثم صلى ركعتين، كما يُصلَّى في العيد.