قلت لهما: فأي هذا الصحيح؟ قال أبي: الصحيح من حديث الأعمش: عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال: بلا كعب.
قلت لأبي: فمن غير حديث الأعمش؟ قال: الصحيح: ما يقول شعبة وأبان بن تغلب وزيد بن أبي أنيسة أيضًا: عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال: بلا كعب.
وقال أبي: الثوري وشعبة أحفظهم.
قلت لأبي: فإن ليث بن أبي سليم يحدث فيضطرب، يحدث عنه يحيى بن يعلى: عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن أبي بكر، وعمر في المسح.
ورواه معتمر، عن ليث، عن الحكم وحبيب بن أبي ثابت، عن شريح بن هانيء، عن بلال، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال أبو زرعة: ليث لا يُشتغل به، في حديثه مثل ذي كثير، هو مضطرب الحديث.
قلت لأبي زرعة: أليس شعبة وأبان بن تغلب وزيد بن أبي أنيسة يقولون: عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال: بلا كعب؟
قال أبو زرعة: الأعمش حافظ، وأبو معاوية وعيسى بن يونس وابن نمير وهؤلاء: قد حفظوا عنه.
ومن غير حديث الأعمش؛ الصحيح: عن ابن أبي ليلى، عن بلال: بلا كعب.
ورواه منصور وشعبة وزيد بن أبي أنيسة وغير واحد، إنما قلت: من حديث الأعمش".
ومن هذا السياق يظهر لي -والله أعلم- أن أبا زرعة يوافق مسلمًا في تصحيح رواية الجماعة: عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: بإثبات كعب بينهما، وذلك اعتمادًا منه على أن الأعمش حافظ يحتمل منه الزيادة في الأسانيد لضبطه وإتقانه، وأن الذين رووا عنه هذه الزيادة قد حفظوا؛ لا سيما وهم من ثقات أصحابه الذين لازموه وحفظوا عنه، كأبي معاوية وابن نمير.
ويبدو لي -والله أعلم- أن سكوت الدارقطني عن ترجيح رواية الثوري وشعبة في العلل، وعدم انتقاد هذا الحديث على مسلم في التتبع: مما يؤيد ما ذهب إليه مسلم وأبو زرعة الرازي، والله أعلم.
ثم إن مسلمًا لم يصدِّر الباب بهذا الحديث، ولم يحتج به على انفراده، وإنما صدّر الباب بحديث المغيرة بن شعبة الصحيح، الذي لا غبار عليه، من رواية حميد الطويل، عن بكر بن عبد لله المزني، عن حمزة بن المغيرة [وقع في الصحيح: "عروة"، وهو غلط بينته في موضعه]، عن أبيه، والشاهد منه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى خفيه.
ثم أتبعه برواية سليمان التيمي، عن بكر به، ثم أتبعه بهذا الحديث: حديث بلال؛ وبهذا يظهر أنه أخرجه في الشواهد لا في الأصول، ويغتفر في الشواهد والمتابعات ما لا يغتفر في الأصول، والله أعلم.