أولى؛ لأنهما أصح ما روي في هذا الباب من جهة الإسناد، ولأن فيها زيادة في كيفية الصلاة يجب قبولها واستعمال فائدتها، ولأنهما قد وصفا صلاة الكسوف وصفًا يرتفع معه الإشكال والوهم؛ فإن قيل: أن طاوسًا روى عن ابن عباس أنه صلى في صلاة الكسوف ركعتين، في كل ركعة ثلاث ركعات ثم سجد، وإن عبيد بن عمير روى عن عائشة مثل ذلك، وإن عطاء روى عن جابر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في صلاة الكسوف ست ركعات في أربع سجدات، وإن أبا العالية روى عن أُبي بن كعب عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عشر ركعات في ركعتي الكسوف وأربع سجدات، فلم يكن المصير عندك إلى زيادة هؤلاء أولى؟
قيل له: إنما تقبل الزيادة من الحافظ إذا ثبتت عنه، وكان أحفظ وأتقن ممن قصر، أو مثله في الحفظ؛ لأنه كأنه حديث آخر مستأنف، وأما إذا كانت الزيادة من غير حافظ ولا متقن؛ فإنها لا يلتفت إليها، وحديث طاوس هذا: مضطرب ضعيف، رواه وكيع عن الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلًا، ورواه غير الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس لم يذكر طاوسًا، ووقفه ابن عيينة عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس فعله، ولم يرفعه، وهذا الاضطراب يوجب طرحه، واختلف أيضًا في متنه فقوم يقولون: أربع ركعات في ركعة، وقوم يقولون: ثلاث ركعات في ركعة، ولا يقوم بهذا الاختلاف حجة،. . . "، ثم كرَّ بالتضعيف على حديث عطاء عن جابر، وحديث أبي، وحديث عبيد بن عمير عن عائشة، ثم قال: "وليس مثل هذه الأسانيد يعارض بها حديث عروة وعمرة عن عائشة، ولا حديث عطاء بن يسار عن ابن عباس؛ لأنها من الآثار التي لا مطعن لأحد فيها".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في التوسل والوسيلة (٨٦)، وفي مجموع الفتاوى (١/ ٢٥٦): ". . .، ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحًا على قول من نازعه؛ بخلاف مسلم بن الحجاج، فإنه نوزع في عدة أحاديث مما يخرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه، كما روى في حديث الكسوف أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى بثلاث ركوعات، وبأربع ركوعات، كما روى أنه صلى بركوعين، والصواب: أنه لم يصلِّ إِلا بركوعين، وأنه لم يصل الكسوف إِلا مرة واحدة، يوم مات إبراهيم، وقد بين ذلك الشافعي، وهو قول البخاري، وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، والأحاديث التي فيها الثلاث والأربع فيها أنه صلاها يوم مات إبراهيم، ومعلوم أنه لم يمت في يومي كسوف، ولا كان له إبراهيمان، ومن نقل أنه مات عاشر الشهر فقد كذب".
وقال في موضع آخر من المجموع (١٨/ ١٧): "ومثل ما روى مسلم أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى الكسوف ثلاث ركوعات وأربع ركوعات، انفرد بذلك عن البخارى، فإن هذا ضعَّفه حُذَّاق أهل العلم، وقالوا: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يصلِّ الكسوف إِلا مرة واحدة، يوم مات ابنه إبراهيم، وفي نفس هذه الأحاديث التي فيها الصلاة بثلاث ركوعات وأربع ركوعات؛ أنه إنما صلى ذلك يوم مات إبراهيم، ومعلوم أن إبراهيم لم يمت مرتين، ولا كان له