للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إبراهيمان، وقد تواتر عنه أنه صلى الكسوف يومئذ ركوعين في كل ركعة، كما روى ذلك عنه عائشة وابن عباس وابن عمرو وغيرهم، فلهذا لم يرو البخارى إلا هذه الأحاديث، وهو أحذق من مسلم، ولهذا ضغف الشافعي وغيره أحاديث الثلاثة والأربعة، ولم يستحبوا ذلك، وهذا أصح الروايتين عن أحمد، وروي عنه أنه كان يجوِّز ذلك قبل أن يتبين له ضعف هذه الأحاديث"، وانظر أيضًا المجموع (١٨/ ٧٣).

وقال ابن القيم في الزاد (١/ ٤٥٣) بعد أن ذكر بعض المتون الصحيحة: "فهذا الذي صح عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- من صفة صلاة الكسوف وخطبتها، وقد روي عنه أنه صلاها على صفات أخر، منها: كل ركعة بثلاث ركوعات، ومنها: كل ركعة باربع ركوعات، ومنها: أنها كإحدى صلاة صُلِّيَت كلُّ ركعة بركوع واحد، ولكن كبار الأئمة لا يصححون ذلك، كالإمام أحمد والبخاري والشافعي، ويرونه غلطًا".

وقال ابن حجر في الفتح (٢/ ٥٣٢) عن أحاديث الزيادة عن ركوعين في الركعة: "ولا يخلو إسناد منها عن علة، وقد أوضح ذلك البيهقي وابن عبد البر".

قلت: وهذا القول الأخير هو الصواب جزمًا، وهو أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يصلِّ الكسوف إلا مرة واحدة فقط، يوم مات ابنه إبراهيم، وأنه صلاها ركعتين، في كل ركعة ركوعان، وهذا هو ما يتفق مع الحسابات الفلكية، فإنه بتتبع الكسوفات الواقعة على الأرض في العهد المدني، ولمدة عشر سنوات بعد الهجرة النبوية، وباستثناء الكسوفات التي لا يمكن مشاهدتها لكونها واقعة ليلًا في الجهة الأخرى من الأرض، فلا يبقى عندنا إلا ثلاثة كسوفات، الأول وقع في الحادي والعشرين من أبريل سنة (٦٢٧) من ميلاد المسيح عليه السلام، وهذا الكسوف تقع فيه المدينة في آخر نطاق الرؤية فلكيًا، بحيث لو تعدينا خط العرض الذي تقع عليه المدينة النبوية، وهو (٤٧، ٢٤) تقريبًا، لو تجاوزناه بقرابة ثلاثة خطوط عرض عندئذ تنعدم رؤية الكسوف تمامًا، كما أن نسبة الجزء المعتم من الشمس قرابة (١.٧%)، وهو مقدار ضئيل جدًا لا يرى بالعين المجردة، لاسيما ووقت هذا الكسوف بتوقيت المدينة يقع في وقت الظهيرة مما تقل معه فرص ملاحظته بالعين المجردة لتوهج أشعة الشمس في هذا الوقت، مما يدل على عدم إمكانية مشاهدة هذا الكسوف بالمدينة بالعين المجردة، وأما الكسوف الثاني: فقد وقع في الثالث من أكتوبر سنة (٦٢٨) ميلادية، وكان أيضًا في آخر نطاق الرؤية، وبدأ قبل شروق الشمس على المدينة، بحيث تشرق وهي مكسوفة جزئيًا بمقدار ضئيل جدًا من ظل القمر عليها، بحيث يقرب الجزء المعتم من (٤.٧%) من دائرة الشمس، وينتهي في الساعة السابعة صباحًا؛ يعني: بعد شروق الشمس بالمدينة بقرابة ساعة إلا ربع، مما تصعب معه مشاهدته، وأما الكسوف الثالث: فقد وقع في السابع والعشرين من يناير سنة (٦٣٢)؛ يعني: قبل وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقرابة خمسة أشهر، وهو الموافق للتاسع والعشرين من شوال من السنة العاشرة للهجرة النبوية، وكان كسوفًا حلقيًا للشمس مركزه شمال غرب الهند، ويمر خط رؤيته حلقيًا باليمن؛ يعني: جنوب

<<  <  ج: ص:  >  >>