المدينة، وقد وقع بالمدينة ضحًى، وكان وقت ابتدائه قريبًا من الساعة السابعة والربع صباحًا؛ أي: بعد إشراق الشمس بقرابة عشر دقائق، ووصل إلى وقت الذروة قريبًا من الساعة الثامنة والنصف، وانتهى قبل الساعة العاشرة ظهرًا؛ يعني: أنه استغرق قرابة ثلاث ساعات، وكانت نسبة الجزء المعتم من الشمس تزيد على (٧٦%)؛ يعني: ما يزيد على ثلاثة أرباع قرص الشمس، مع وقوعه بعد وقت الإشراق مما يعطي قدرة بصرية عالية على رؤيته بوضوح، حيث لم تتوهج الشمس بعد، وما زال قرص الشمس قريبًا من الأرض وكبيرًا نسبيًا [وقد استقيت هذه المعلومات من موقع ناسا للكسوف والخسوف على الشبكة العنكبوتية، بمساعدة بعض أساتذة الفلك بجامعة الملك سعود بالرياض، وأخص منهم بالذكر د. حسين الطرابلسي وفقه اللَّه].
وهذا هو الكسوف الوحيد الذي وقع في العهد المدني مما يمكن مشاهدته بالعين المجردة بوضوح، وهو الموافق لما يقوله الفلكيون من أن الكسوف لا يقع إلا في آخر الشهر القمري، وما نُقل من أخبار من أن وفاة إبراهيم -عليه السلام- كانت في العاشر من شهر ربيع الأول، أو لأربع خلون منه، فإن مدارها على الواقدي، وهو: متروك، أو: على محمد بن الحسن بن زبالة، وهو: متروك، كذبه جماعة، وكان يسرق الحديث [انظر: طبقات ابن سعد (١/ ١٤٣)، والمعجم الكبير للطبراني (٢٤/ ٣٠٦/ ٧٧٥ و ٧٧٦)، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (٦/ ٣٣٦٧/ ٧٧٠٠)، وسنن البيهقي (٣/ ٣٣٦ و ٣٣٧)، ودلائل النبوة للبيهقي (٥/ ٤٢٩)، وتاريخ ابن عساكر (٣/ ١٤٥) و (٣٤/ ٢٩٠)، والإصابة (١/ ٣١٨)، وغيرها]، واللَّه أعلم.
وعلى ما تقدم بيانه؛ فإنه لا يمكن اجتماع العيد مع الكسوف في يوم واحد، وما روي من آثار في ذلك فإنها لا تصح، واللَّه أعلم.
* فإن قيل: ألم يقع خسوف قمري في العهد المدني؟
° فالجواب: نعم؛ وقع خسوف قمري يمكن مشاهدته بالمدينة النبوية، وكانت الخسوفات الداخلة في مجال الرؤية، صمان كان الخسوف جزئيًا: كان ذلك في (٣٠/ ١١/ ٦٢٤)، وفي (٢٠/ ١١/ ٦٢٥)، وفي (١٥/ ٣/ ٦٢٩)، أعني: أنها كانت ثلاثة خسوفات، لكن أحدها وإن كان داخلآ في مجال الرؤية إلا أنه كان ضئيلًا جدًا بحيث لا يلتفت إليه الناس، ويصعب مشاهدته، وهو الخسوف الأول، وأما الثاني والثالث فيمكن مشاهدتهما، وقد وقع الأخير منهما قبل الكسوف الشمسي الذي صلى فيه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقرابة ثلاث سنين، ولما لم يُنقل إلينا أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى في خسوف القمر ولا مرة واحدة، حيث إن كل الأحاديث الصحيحة قد أجمعت على أن الصلاة كانت في كسوف الشمس، وما روي من أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى في خسوف القمر فلا يصح منه شيء؛ دعانا ذلك إلى التساؤل: لماذا لم يُنقل أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلى لخسوف القمر؟
وهناك على ذلك أجوبة؛ فإذا استبعدنا الأجوبة الاحتمالية والافتراضية والبعيدة،