* ويلحق بدلك ما يشعر بإجماع الصحابة على عدم النكير على من أتم في السفر:
فقد روى عمران بن زيد التغلبي، عن زيد العمي، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، قال: إنا معاشر أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كنا نسافر، فمنا الصائم ومنا المفطر، ومنا المتم ومنا المقصر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، ولا المقصر على المتم، ولا المتم على المقصر.
أخرجه البيهقي (٣/ ١٤٥).
قال الأثرم في الناسخ (٢٣٦) بعد أن ذكر أحاديث القصر عن عائشة وعمر وابن عباس، ثم أعقبها بحديث الإتمام من حديث المغيرة عن عطاء عن عائشة، ومن حديث زيد العمي عن أنس، قال: "وتلك الأحاديث الأولى هي أثبت، وليس هذان بشيء".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هو كذب بلا ريب" [مجموع الفتاوى (٢٤/ ١٥٤)].
قلت: هذا حديث منكر؛ زيد بن الحواري العمي: ضعيف، وروايته عن أنس مرسلة [التهذيب (١/ ٦٦٤)، وتحفة التحصيل (١١٨)]، وعمران بن زيد: ليس بالقوي.
والحديث رواه جماعة من الثقات من أصحاب حميد بن أبي حميد الطويل، عنه، عن أنس بن مالك، قال: كنا نسافر مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-[وفي رواية: أن أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا يسافرون]، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم.
أخرجه البخاري (١٩٤٧)، ومسلم (١١١٨)، وأبو داود (٢٤٠٥) [ويأتي تخريجه في موضعه من السنن إن شاء اللَّه تعالى].
قال ابن الجوزي في حديث زيد العمي: "لا يصح، تفرد به زيد العمي، وليس بشيء, وإنما الحديث المعروف: فمنا الصائم ومنا المفطر" [التحقيق (١/ ٤٩٤)، والتنقيح (٢/ ٤٩)].
* وممن روي عنه الإتمام في السفر: عائشة [وقد صح عنها، ونص عروة على أنها تأولت في ذلك ما تأول عثمان]، وعثمان بن عفان [وقد صح عنه في إتمامه بمنى، وقد تأوله الأئمة، ونص عروة على أنه كان متأولًا]، وسعد بن أبي وقاص [وقد اختلف النقل عنه، قال ابن عبد البر في التمهيد (١٦/ ٣٠٩): "كأنه كان يتم مرة، ويقصر أخرى"]، وحذيفة بن اليمان [وقد اختلف النقل عنه أيضًا].
قلت: وقد اختلف الأئمة في وجه تأول عثمان وعائشة اختلافًا كثيرًا، ومن أقوى ما نسب إلى عثمان في ذلك أنه تأهَّل بمكة، واحتجاجه في ذلك بقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا تأهل الرجل في بلد فليُصلِّ به صلاة المقيم" [أخرجه أحمد (١/ ٦٢ و ٧٥)، والحميدي (٣٦)، والطحاوي في أحكام القرآن (٢/ ١٤٠/ ١٣٩٨ و ١٣٩٩)، وفي المشكل (١٠/ ٤١٦/ ٤٢٢١) و (١٠/ ٤١٧/ ٤٢٢٢)، وابن عبد البر في التمهيد (١٦/ ٣٠٥)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٣٩/ ٢٥٦)، والضياء في المختارة (١/ ٥٠٤ و ٥٠٥/ ٣٧٢ - ٣٧٤)]، ولا يثبت هذا؛ فإن مداره على عكرمة بن إبراهيم الأزدي الموصلي، وليس هو بشيء، منكر الحديث [اللسان