للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: لعل الإمام الشافعي رحمه اللَّه تعالى لما أخرج الحديث مختصرًا، مقتصرًا فيه على موضع الشاهد من الجمع بين الصلاتين، ولم يورده بتمامه، لم يظهر له معارضة بقية الحديث لما سبق إليه الفهم، حيث قال معاذ بعده مباشرة: ثم قال [يعني: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-]: "إنكم ستأتون غدًا، إن شاء اللَّه عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمسَّ من مائها شيئًا، حتى آتي"، فدل هذا السياق على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- جمع بين الصلاتين في حال مسيره، ولم يكن بعد انتهى من سفره، حيث لم يبلغ تبوك، وهي مقصده مذ خرج من المدينة، وأما أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان ينزل في الطريق لأجل الاستراحة والصلاة والنوم والأكل ونحو ذلك مما يحتاج إليه المسافر، فلا يسمى ذلك نزولًا؛ لأنه ما زال سائرًا، وأما إذا أراد مطلق النزول الذي هو مقابل ركوب الدابة حال السير، فليس بحجة أيضًا على مراده؛ لأن الفريضة لا تصلى على الراحلة، ولا بد لها من النزول، وإن أراد بالنزول مقابله من الجد في السير، فيقال: كلاهما سائر، يباح له الجمع، جد في السير، أم نزل لأخذ راحته، وحديث معاذ هذا دليل على عدم اختصاص الجمع بمن جدَّ به السير؛ خلافًا لما دل عليه حديث ابن عمر الآتي.

وأما توجيه الحديث، في قوله: ثم دخل ثم خرج، فيمكن حمله على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لما اقترب من تبوك، ولم يعد بينه وبينها إلا يومٌ، نزل مدة طويلة، لأجل النظر في أمر الجيش، ووضع خططه، ونحو ذلك مما يحتاجه من الاستعداد لملاقاة عدوه، فجمع الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في هذا النزول، وهو كما ذكرت فإنه لا يخرجه ذلك عن كونه سائرًا مسافرًا حيث لم يبلغ بغيته، كما أنه يحتمل أنه لم يكن عزم على المقام في ذلك المكان هذه المدة، كأن يكون نزل لصلاة الظهر والعصر، وهو عازم على الرحيل، ثم بدا له أن يمكث لأمر عارض، ودخل عليه الليل، وذلك كله بخلاف ما لو نزل محله الذي قصده بالسفر، وضرب فيه خيامه، وعسكر فيه، انتظارًا لملاقاة العدو، فهذا عندئذ يسمى نزولًا، يصلي كل صلاة في وقتها، أو يجمع بين الصلاتين إن احتاج إلى ذلك، واللَّه أعلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ظاهره أنه كان نازلًا في خيمة في السفر" [مجموع الفتاوى (٢٤/ ٦٤)].

* قال ابن خزيمة في صحيحه محتجًا بحديث معاذ (٢/ ٨٣): "في الخبر ما بان وثبت أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وهو نازل في سفره غير سائر وقت جمعه بين الصلاتين؛ لأن قوله: "أخر الصلاة يومًا، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا"، تبين أنه لم يكن راكبًا سائرًا في هذين الوقتين اللذين جمع فيهما بين المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر، وخبر ابن عمر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا جدَّ به السير جمع بين الصلاتين، ليس بخلاف هذا الخبر؛ لأن ابن عمر قد رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جمع بينهما حين جدَّ به السير، فأخبر

<<  <  ج: ص:  >  >>