• وقد صح نحو ذلك في القصر مع المدة الطويلة عن أنس بن مالك؛ فقد روى عبد الوارث بن سعيد، وإسماعيل بن علية، كلاهما عن يونس بن عبيد، عن الحسن؛ أن أنس بن مالك كان بنيسابور على جبايتها، فكان يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم يصلي ركعتين، ولا يجمِّع، وكان الحسن معه شتوتين.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (١/ ٢٥٦ و ٢٥٧/ ٤٢٢ و ٤٢٣ - مسند عمر).
وهذا صحيح عن أنس موقوفًا عليه.
وكذلك كل ما روي عن الصحابة في قصر الصلاة مع طول المدة بالأشهر أو السنين،
فهو محمول على عدم العزم على الإقامة، وقد روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وأنس بن مالك، وعبد الرحمن بن سمرة، والله أعلم.
° فإن قيل: قد أزمع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع الإقامة، منذ وصوله مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة، إلى صباح الرابع عشر من ذي الحجة، وهي أيام النسك، ومعلوم أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن لينوي الرحيل قبل انتهاء نسكه، وهي مقام عشرة أيام كاملة، كما قال أنس، ومع ذلك فإن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يتم الصلاة منذ دخل مكة حتى خرج منها، بل جمع في بعض المواطن، مثل عرفة والمزدلفة والأبطح:
قال أحمد:"فما نعلم النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أزمع المقام في شيء من أسفاره إلا في حجته هذه،. . ."، ثم قال:"وكذلك حديث أنس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حيث قال: أقام بمكة عشرًا، فصيَّر أنسٌ هذا كلَّه إقامةً، صبحَ رابعةٍ إلى آخر أيام التشريق"، ومع ذلك فقد ذهب أحمد إلى أنه إذا أزمع إقامةً زيادةً على أربعٍ، يصلي فيها إحدى وعشرين صلاة؛ أتم الصلاة [مسائل الكوسج (٣١٢)، مسائل أبي داود (٥١٩ و ٥٢٠)، مسائل ابن هانئ (٤٠٣ و ٤٠٨)، مسائل صالح (٣٧٠)، مسائل عبد الله (٤٢٤)، وانظر أيضًا: الناسخ والمنسوخ لأبي بكر الأثرم (٤٣)].
وقال ابن خزيمة (٢/ ٧٦): "لست أحفظ في شيء من أخبار النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه أزمع في شيء من أسفاره على إقامةِ أيامٍ معلومةٍ غير هذه السفرة التي قدم فيها مكة لحجة الوداع؛ فإنه قدمها مزمعًا على الحج، فقدم مكة صبح رابعة مضت من ذي الحجة،. . ."، ثم ذكر منازل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المشاعر على تفصيلها المعروف، ثم قال:"ورجع إلى مكة، فصلى الظهر والعصر من آخر أيام التشريق، ثم المغرب والعشاء، ثم رقد رقدة بالمحصب، فهذه تمام عشرة أيام، جميع ما أقام بمكة ومنى في المرتين وبعرفات، فجعل أنس بن مالك كل هذه إقامة بمكة، وليس منى ولا عرفات من مكة، بل هما خارجان من مكة، وعرفات خارج من الحرم أيضًا،. . ."، ثم بحث بحثًا طويلًا في الرد على أنس بن مالك فيما يقرب من خمس صفحات، دفاعًا عن مذهب إمامه، وأنس أعلم بما يقول، وانظر كلام المحب الطبري.