(٤/ ٣٠٩)، الفتح لابن رجب (٦/ ٣٣)، جامع التحصيل (٢٥٥)، تحفة التحصيل (٢٦٤).
* فيقال: إنما هي وجادة صحيحة، استشهد بها البخاري، وقد كان الكتاب محفوظًا عند أم سليمان، أو امرأته، ولا مصلحة لها في إفساد الكتاب بالزيادة أو النقصان، بل هناك معنى لطيف، فكأن أم سليمان أشفقت عليه أن أنفق عمره في طلب العلم، ثم لم ينتفع بهذا العلم بعد مماته، لكونه لم ينشر، لذا قامت هي بنشره، لكنها خصت أهل العلم به دون غيرهم، مما يدل على معرفتها وعنايتها بهذا الشأن، رجاء أن ينتفع بهذا العلم، فكيف تفعل هذا ثم تقوم هي بإفساد الكتاب، مع اشتهار الخبر بالوعيد الشديد على من كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متعمدًا!
يبقى الكلام عن هذه الصحيفة، ومكانتها؛ فمما يدل على أهمية هذه الصحيفة، وعناية العلماء بها؛ أن قام بروايتها عدد من حفاظ الحديث في زمانهم، مثل: ثابت البناني، وقتادة، وأبي بشر جعفر بن أبي وحشية، والحسن البصري، وأبي عثمان الجعد بن دينار اليشكري، ومع هذا فلا تسلم الرواية من الكتاب من بعض الوهم والخطأ، ويُعرف وقوع ذلك بالقرائن، فإن الوجادة قد يدخلها شيء من الوهم بالتصحيف وغيره، وروايتنا هذه قد توبع عليها سليمان اليشكري، تابعه أبو سلمة بن عبد الرحمن، كما في الصحيحين، وقد سبق تقرير ذلك مرارًا، والله أعلم.
* قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين (٢/ ١٢٥):" وقد صح سماع الحسن من سمرة، وغاية هذا أنه كتاب، ولم تزل الأمة تعمل بالكتب قديمًا وحديثًا، وأجمع الصحابة علي العمل بالكتب، وكذلك الخلفاء بعدهم، وليس اعتماد الناس في العلم إلا على الكتب، فإن لم يعمل بما فيها تعطلت الشريعة، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكتب كتبه إلى الآفاق والنواحي، فيعمل بها من تصل إليه، ولا يقول: هذا كتاب، وكذلك خلفاؤه بعده، والناس إلى اليوم، فَرَدُّ السنن بهذا الخيال البارد الفاسد من أبطل الباطل، والحفظ يخون، والكتاب لا يخون".
وقال بعد ذلك بصفحتين (٢/ ١٢٧) في صحيفة سليمان بن قيس اليشكري: "وغاية هذا أن يكون كتابًا، والأخذ عن الكتب حجة".
والحاصل: فإن حديث سليمان بن قيس عن جابر: حديث صحيح، ورواية أبي بشر عندي أثبت من رواية قتادة لموافقتها رواية الحسن عن جابر في كونها في غزوة محارب خصفة، وهي نفسها غزوة ذات الرقاع كما في رواية أبي سلمة عن جابر، وقد وقع وهم في رواية قتادة من وجهين:
الأول: أن سليمان اليشكري سأل جابر بن عبد الله عن إقصار الصلاة في الخوف، أين أُنزل؟ وأين هو؟ فقال: خرجنا نتلقى عِيرًا لقريش أتت من الشام حتى إذا كنا بنخلٍ، ... فذكر الحديث، ثم قال في آخره: ففي يومئذ أنزل الله عزَّ وجلَّ إقصار الصلاة، وأمر المؤمنين بأخذ السلاح، ومعلوم أن ذلك إنما كان بعسفان [راجع حديث أبي عياش الزرقي برقم (١٢٣٦)].