والثاني: قوله: خرجنا نتلقى عِيرًا لقريش أتت من الشام حتى إذا كنا بنخلٍ، بينما بقية الروايات تذكر أن هذه الواقعة إنما كانت في غزوة ذات الرقاع، وهي نفسها غزوة محارب خصفة، كما قال البخاري في الصحيح (٤١٢٥): "باب غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة من غطفان، فنزل نخلًا، وهي بعد خيبر؛ لأن أبا موسى جاء بعد خيبر"، والله أعلم.
* فإن قيل: صفة صلاة الخوف في حديث أبي سلمة وسليمان اليشكري عن جابر، تخالف الصفة التي جاءت في حديث الحسن عن جابر، والحسن عن أبي بكرة:
فيقال: بل يمكن حمل حديث أبي سلمة وسليمان اليشكري عن جابر، على حديث الحسن عن جابر، والحسن عن أبي بكرة، وذلك بكون النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بكل طائفة ركعتين، يسلم مع كل طائفة، وتكون الأولى هي الفريضة، والثانية نفلًا في حقه - صلى الله عليه وسلم -، وبذا يزول الإشكال، ولا مخالفة حينئذ بين هذه الأحاديث.
كذلك يقال: كيف يصلي بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع ركعات بسلام واحد، ولم يُحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أتم صلاةً رباعيةً في سفر، فمن باب أولى القصر في الخوف، مع العلم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصلِّ الخوف في حضر قط.
والمحفوظ عنه - صلى الله عليه وسلم - في جميع هيئات صلاة الخوف أنه صلى بهم ركعتين، لم يزد على ذلك، وما روي بأنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر مرة بعسفان أربعًا فلا يثبت.
ويؤيد ذلك أن أبا داود قد حمل حديث جابر على حديث أبي بكرة في السلام من كل ركعتين، حيث بدأ بحديث أبي بكرة، ثم أتبعه بقوله: "وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكذلك قال سليمان اليشكري، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكأنه يقول بأن حديث جابر بطريقيه إنما هو في السلام من كل ركعتين مثل حديث أبي بكرة، والله أعلم.
* قال ابن عبد البر في الاستذكار (٢/ ٤٠٥): "ولا معنى لقول من قال: إن حديث أبي بكرة وحديث جابر كان في الحضر؛ لأن فيه سلامه في كل ركعتين منها، ... ، وهما ثابتان من جهة النقل عند أهل العلم به، وغير محفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى صلاة الخوف في الحضر، ومعلوم أن صلاة الخوف إنما وضعت على أخف ما يمكن وأحوطه للمسلمين، وهذا من أحوط وجوه صلاة الخوف".
* قلت: وأما خبر وهب بن كيسان عن جابر فليس هو في صلاة الخوف، إنما هو في قصة الجمل:
فقد روى إبراهيم بن سعد، وزياد بن عبد الله البكائي، ويونس بن بكير [وهم من ثقات أصحاب ابن إسحاق، وأثبتهم فيه: إبراهيم بن سعد]:
عن محمد بن إسحاق: حدثني وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله، قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة ذات الرقاع [من نخلٍ]، مرتحلًا على جمل لي ضعيف،