فمذهب أحمد: أنه شرط، قلت الفوائت أو كثرت، وهو قول زفر.
ومذهب مالك وأبي حنيفة: يجب الترتيب فيها إن كانت خمسًا فما دون، ولا يجب فيما زاد.
ومذهب الشافعي: أنه لا يجب الترتيب بحال، وهو قول أبي ثور وداود، ورواية عن الأوزاعي".
ثم قال: "واستدل بعض من أوجب الترتيب:
بما روى ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن يزيد؛ أن عبد الله بن عوف حدثه، عن أبي جمعة حبيب بن سباع - وكان قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال: "هل علم أحد منكم أني صليت العصر؟ " فقالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! ما صليتها، فأمر المؤذن فأقام، وصلى العصر، ثم أعاد المغرب".
ثم قال ابن رجب: "وهذا حديث ضعيف الإسناد، وابن لهيعة لا يحتج بما ينفرد به.
قال ابن عبد البر: هذا حديث لا يعرف إلا عن ابن لهيعة، عن مجهولين، لا تقوم به حجة. قلت: أما عبد الله بن عوف، فإنه الكناني، عامل عمر بن عبد العزيز على فلسطين، مشهور، روى عنه الزهري وجماعة.
وأما محمد بن يزيد، فالظاهر أنه ابن أبي زياد الفلسطينى، صاحب حديث الصور الطويل، وقد ضعفوه"، انتهى كلام ابن رجب.
قلت: حديث ابن لهيعة: أخرجه أحمد (٤/ ١٠٦)، وابن سعد في الطبقات (٢/ ٧٣) [وفي سنده تحريف]. وابن عبد الحكم في فتوح مصر (٢١٢)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (١/ ١٧٩/ ٥٨٧ - السفر الثاني)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (٤/ ١٥٣/ ٢١٣٧)، والدولابي في الكنى (١/ ٥٣/ ١٦٦)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (٢/ ١٧٤/ ٧٣٥)، والطبراني في الكبير (٤/ ٢٣/ ٣٥٤٢)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (٢/ ٨٢٦/ ٢١٦٨)، والبيهقي (٢/ ٢٢٠)، والخطيب في المتفق والمفترق (٣/ ١٤٣٨/ ٨٢٧).
قال ابن عبد البر في التمهيد (٦/ ٤٠٩): "وهذا حديث منكر، يرويه ابن لهيعة عن مجهولين"، زاد في الاستذكار (١/ ٨٩): "لا تقوم بهم حجة".
وسبق نقل تضعيف ابن رجب له، وقال ابن حجر في الفتح (٢/ ٦٩): "وفي صحة هذا الحديث نظر؛ لأنه مخالف لما في الصحيحين من قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمر: "والله ما صليتها"، ويمكن الجمع بينهما بتكلف".
قلت: عبد الله بن عوف الكناني القارئ أبو القاسم: من أهل دمشق، رأى عثمان ومعاوية، وسمع أبا جمعة، وكان عامل عمر بن عبد العزيز على ديوان فلسطين، روى عنه الزهري وجماعة، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (٥/ ١٥٦)، الجرح والتعديل (٥/ ١٣٥)، الثقات (٥/ ٤٢)، تاريخ دمشق (٣١/ ٣٢٢)، تاريخ الإسلام (٦/ ١١٧) و (٧/ ١٣٩)، تعجيل المنفعة (٥٧٥)، الثقات لابن قطلوبغا (٦/ ٨٤)].