• وقد اختلف الأئمة النقاد في أيهما الأرجح:
فقال البخاري: "الصحيح: ما روى شعبة ووهيب، وقالا: عن أبيه، وربما قال ابن عيينة في هذا الحديث: عن أبيه، وقال شعبة: عن الحكم أو أبي الحكم عن أبيه"، قال البخاري: "وقال بعض ولد الحكم بن سفيان: إن الحكم لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يره" [علل الترمذي الكبير ٢٧١)].
ولم يرجح البخاري في تاريخه الكبير شيئًا بعدما سرد الاختلاف في هذا الحديث وأطال فيه؛ إلا أنه ختم هذا الاختلاف بقوله: "وقال بعض ولد الحكم بن سفيان: لم يدرك الحكم النبي - صلى الله عليه وسلم -"، وفي هذا ميل إلى ترجيح رواية شعبة ووهيب.
ولعل البخاري رجح عدم إدراك الحكم للنبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمادًا منه على ما أسنده الإمام أحمد في مسنده (٣/ ٤١٠) و (٤/ ١٧٩ و ٢١٢) و (٥/ ٤٠٨)، وفي العلل (٣/ ٢٤٨/ ٥٠٩٧)، قال: "حدثنا أسود بن عامر: حدثنا شريك، قال: سألت أهل الحكم بن سفيان؟ فذكروا أنه لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -".
وفي تصرف الإمام أحمد هذا: من إتباع حديث الحكم بن سفيان بنفي إدراكه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، إعلال منه لهذا الحديث، والله أعلم.
فهذه قرينة قوية ترجح بها رواية الاثنين: شعبة ووهيب على رواية الجماعة (١٣)، وفيهم الحفاظ المتقنون من أصحاب منصور.
وشعبة أيضًا من أثبت أصحاب منصور، ووهيب: ثقة ثبت، ولم ينفردا بذلك، فقد جاءت هذه الزيادة من وجه آخر: رواها ابن أبي نجيح عن مجاهد، مما يدل على أن شعبة ووهيبًا قد حفظا هذه الزيادة، فهي زيادة من ثقات حفاظ متقنين دلت القرائن على صحتها فوجب قبولها.
ووافق البخاري في هذا -أعني: في ترجيح قول من زاد "عن أبيه" في الإسناد-: أبو حاتم الرازي، فقال: "الصحيح: مجاهد عن الحكم بن سفيان عن أبيه، ولأبيه صحبة" [العلل (١/ ٤٦/ ١٠٣)].
وكذا: ابن المديني، فيما حكاه الذهلي عنه [ذكره ابن حجر في التهذيب (٢/ ٣٨٨)، والإصابة (١/ ٣٤٥)].
وخالف أحمدَ وابنَ المديني والبخاري وأبا حاتم فيما ذهبوا إليه من إثبات زيادة "عن أبيه" في الإسناد:
خالفهم: أبو زرعة وإبراهيم الحربي حيث صححا أن للحكم بن سفيان صحبة [الإصابة (١/ ٣٤٥)، التهذيب (٢/ ٣٨٨)].
قال أبو زرعة: "الصحيح: مجاهد عن الحكم بن سفيان، وله صحبة" [العلل (١/ ٤٦)].
وقول الجماعة أقرب إلى الصواب؛ لما معه من القرائن.
وأما قول ابن عبد البر في الاستيعاب (٤٨٤): "له حديث واحد في الوضوء: