للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أدري ما هذا!؟ لم يسمع أبو سلام من عمرو بن عبسة شيئًا، إنما يروي عن أبي أمامة عنه" [العلل (٣/ ٣٣٠/ ٩٥٨)].

قلت: رجال هذا الإسناد كلهم ثقات؛ لكن قد رواه العباس بن سالمٍ اللخمي الدمشقي [وهو: ثقة]، عن أبي سلام، عن أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة مرفوعًا.

وتابعه: يحيى بن أبي عمرو السيباني الحمصي [وهو: ثقة]، فرواه عن أبي سلام الدمشقي، وعمرو بن عبد اللّه، أنهما: سمعا أبا أمامة الباهلي، يحدث عن حديث عمرو بن عبسة السلمي مرفوعًا.

هكذا زاد اثنان من الثقات في إسناده أبا أمامة بين أبي سلام وعمرو بن عبسة، والحكم لمن زاد، وأما الاعتراض بكون إسناد الوليد بن مسلم إسناد صحيح، وقد صرح فيه ثقة ثبت بسماع أبي سلام من عمرو بن عبسة؛ فيجاب عنه بأن عمرو بن عبسة كان كبيرًا حيث أسلم في أول الإسلام بعد إسلام أبي بكر وبلال، وقد توفي أبو بكر في السنة الثالثة عشرة، وتوفي بلال ما بين (١٧ - ٢٠) في خلافة عمر بن الخطاب، وأما عمرو بن عبسة فلم يؤرخوا وفاته؛ قاله الذهبي في السير (٢/ ٤٥٦)، لكن قال بعد ذلك: "لعله مات بعد سنة ستين" [وانظر أيضًا: تاريخ الإسلام (٥/ ٢٠١)]، وهذا عندي بعيد - والله أعلم -؛ لأنه كان رجلًا ذا عقل وحكمة حين أسلم، ظهر ذلك من خلال إنكاره عبادة الأوثان قبل مقدمه على النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، حين قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، ورأيت أنها آلهة باطلة، ومثل هذا لا يصدر إِلَّا عن عقل وحكمة وإدراك للحقائق والتي لا تتبدى غالبًا في سن الشباب، وكذلك من خلال أسئلته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، والتي تنم عن خبرة بالأمور وحنكة وتجربة وكبر سن، وبقاؤه إلى سنة ستين يعني أنه قد طال عمره جدًّا، ولم يؤثَر ذلك، وقصته مع معاوية في الجهاد والصلح لا يلزم منها أنه عاش إلى وفاة معاوية، فإن معاوية كان واليا على الشام عشرين سنة في خلافة عمر وعثمان، وتمت له الخلافة من سنة أربعين إلى أن توفي سنة ستين، والله أعلم.

كما أن إدراك أبي سلام لعمرو بن عبسة مستبعد لأمور؛ الأول: أنه يدخل بينهما أبا أمامة، والثاني: تأخر وفاة أبي سلام، وغلبة الظن بتقدم وفاة عمرو، والثالث: نصَّ أبو حاتم على استنكار هذا السماع ونفيه، بقوله: "ما أدري ما هذا!؟ لم يسمع أبو سلام من عمرو بن عبسة شيئًا، إنما يروي عن أبي أمامة عنه والرابع: أن البخاري لما ترجم لممطور أبي سلام في التاريخ الكبير (٨/ ٥٨)، لم يعتد بهذا السماع الذي ذكره في آخر الترجمة؛ إذ لم يثبت به السماع ولا حتى الرواية عن عمرو بن عبسة، وإنما ابتدأ ترجمته بقوله: "عن ثوبان، وعن أبي أمامة"، ثم ذكر الأسانيد، والخامس: أن أبا حاتم قال في المراسيل (٢٩٠): "سالم بن أبي الجعد: أدرك أبا أمامة، ولم يدرك عمرو بن عبسة، ويحدث هذا الحديث في المعتق عن رجل عن عمرو بن عبسة"، وهذا مؤيد لما ذهبت إليه، من وجهين: الأول: أن سالمًا وممطورًا من طبقة واحدة، وتقاربت وفاتهما جدًّا،

<<  <  ج: ص:  >  >>