فيما إذا بدا حاجب الشمس أو غاب، بل قد نهى عنه، والله أعلم.
وأما إذا برز حاجب الشمس وبدأ في الظهور، أو بدأ قرص الشمس في المغيب؛ فليس للمكلف أن يبتدئ في الصلاة حينئذٍ، بل قد أُمر بتأخير الفريضة أو ذات السبب حتى يكتمل طلوعها وترتفع، أو حتى يكتمل غروبها، وصار حديث ابن عمر هذا مخصِّصًا لحديث أنس فيمن نسي صلاة أو نام عنها، أو للأحاديث الدالة على مشروعية صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي، ويستأنس في ذلك بفعله - صلى الله عليه وسلم - لما نام عن صلاة الفجر في السفر، فصلاها بعد ارتفاع الشمس، وأمرهم باقتياد رواحلهم، وتنحيهم عن ذلك المكان الذي ناموا فيه [كما في حديث أبي هريرة، راجع فضل الرحيم (٥/ ٣٠٦/ ٤٣٦)]، وفي حديث أبي قتادة عند مسلم (٦٨١): فكان أول من استيقظ: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والشمس في ظهره، قال: فقمنا فزعين، ثم قال:"اركبوا"، فركبنا فسرنا، حتى إذا ارتفعت الشمس نزل [راجع فضل الرحيم (٥/ ٤٣٧/٣١٠)]، وفي رواية بإسناد صحيح: فاستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد طلع حاجب الشمس، فقال:"يا بلال [أين ما قلت] "، قال: يا رسول الله! والذي بعثك بالحق! ما أُلْقِيَت عليَّ نومةٌ مثلها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قبض أرواحكم حين شاء، وردَّها عليكم حين شاء"، ثم أمرهم، فانتشروا لحاجتهم، فتوضؤوا وقد ارتفعت الشمس، فصلى بهم الفجر، ومن نفس الطريق عند البخاري (٧٤٧١): وتوضؤوا إلى أن طلعت الشمس وابيضت فقام فصلى، ومن وجه آخر عند البخاري (٥٩٥): فلما ارتفعت الشمس وابياضَّت قام فصلى [راجع فضل الرحيم (٥/ ٣٢١/ ٤٤٠)]، وفي حديث عمران بن حصين عند مسلم (٦٨٢): ثم استيقظ عمر، فقام عند نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يكبر ويرفع صوته بالتكبير، حتى استيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت، قال:"ارتحلوا"، فسار بنا، حتى إذا ابيضت الشمس نزل، فصلى بنا الغداة [راجع فضل الرحيم (٥/ ٣٣٣/ ٤٤٣)]، فصار فعله - صلى الله عليه وسلم - في هاتين الواقعتين مبينًا مفسرًا لمراده من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها"، وفي حديث أبي قتادة:"فمن فعل ذلك فليُصلها حين ينتبه لها"؛ يعني: بعد ارتفاع الشمس، لا سيما ولا يثبت عندنا أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتنحي أو أنه علل بحضور الشيطان في ذلك المكان في كلتا الواقعتين معًا، وإنما قال ذلك في إحدى الواقعتين دون الأخرى، فبقيت دون تعليل سوى التعليل بتأخير الصلاة حتى ترتفع الشمس، فيتفق الحديث عندئذ مع حديث ابن عمر الآمر بتأخير الصلاة حتى ترتفع الشمس، والله أعلم.
وعائشة - رضي الله عنها - وإن رأت جواز صلاة ركعتين بعد العصر لفعله - صلى الله عليه وسلم -؛ إِلَّا أنها رأت المنع من ذلك عند غروب الشمس وعند طلوعها:
فقد روى حبيب المعلم، عن عطاء، عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها -؛ أن ناسًا طافوا بالبيت بعد صلاة الصبح، ثم قعدوا إلى المذكر حتى إذا طلعت الشمس قاموا يصلون، فقالت عائشة - رضي الله عنها -: قعدوا حتى إذا كانت الساعة التي يمره فيها الصلاة قاموا يصلون.