عائشة: ما سبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبحة الضحى قط؛ هو الأغلب من أمره، وأنه لم يصلِّها في بيتها، والله أعلم".
ثم عمد ابن عبد البر بعد ذلك إلى رد حديث معاذة العدوية عن عائشة في إثباتها صلاة الضحى، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصليها أربعًا ويزيد ما شاء الله، وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم (٧١٩)، وإسناده على شرط الشيخين [تقدم ذكره تحت الحديث السابق (١٢٩٢)]، والجمع بين الحديثين ممكن غير متعذر؛ فوجب المصير إليه، وفي كلام ابن عبد البر ما يشير إلى إمكانية الجمع؛ فإنه أثبت قول عائشة في النفي، وقيده بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يصلِّي الضحى في بيتها، ثم أثبت وقوع هذه الصلاة من النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخبار غيرها من الصحابة، فما المانع من كون عائشة سمعت بعض الصحابة يذكر ذلك فأخبرت به في الإثبات، والذي روته عنها معاذة، ويحمل النفي على مشاهدتها، كما قال القاضي عياض.
° وقد جمع أهل العلم بين النفي والإثبات بصور من وجوه الجمع؛ فمنهم:
من قدم الإثبات على النفي؛ إذ المثبت شاهد، وهو مقدم على النافي لما معه من زيادة علم غاب عن النافي.
ومنهم من حمل رواية معاذة المطلقة على رواية عبد الله بن شقيق المقيدة بالمجيء من السفر؛ فيحمل النفي على غير سبب، والإثبات على أنه صلاها لسبب [التوضيح (٩/ ٤٢)].
وقيل: سبب النفي أنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات، فإما مسافر أو حاضر في المسجد أو غيره أو عند بعض نسائه، فإنما كان لها يوم من تسعةٍ، فيصح قولها: ما رأيته يصليها [إخبارًا عن مشاهدتها]، وتكون قد علمت بخبره أو خبر غيره أنه صلاها [شرح النووي على صحيح مسلم (٥/ ٢٣٠)، المجموع شرح المهذب (٤/ ٣٨)، التوضيح (٩/ ٤٥)].
وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (٣/ ٥٣): "وقولها: "قط" على المشاهدة منها لا على الصلاة، والأشبه عندى في الجمع بين حديثيها: أن يكون إنما أنكرت صلاة الضحى المعهودة حينئذ عند الناس، على الذي اختاره جماعة من السلف من صلاتها ثمانى ركعات، وإنه إنما كان يصليها أربعًا كما قالت، ثم يزيد ما شاء" [التوضيح (٩/ ٤٥)].
وقد رأى جماعة صلاتها في بعض الأيام دون بعض؛ ليخالف بينها وبين الفرائض [إكمال المعلم (٣/ ٥٣)، التوضيح (٩/ ٤٥)].
وقيل غير ذلك مما نقله ابن حجر عن أصحاب هذه الأقوال، وكان مما قال في تلخيص كلام القاضي (٣/ ٥٦): "وقال عياض وغيره: قوله: ما صلاها؛ معناه ما رأيته يصليها، والجمع بينه وبين قولها: كان يصليها؛ أنها أخبرت في الإنكار عن مشاهدتها، وفي الإثبات عن غيرها، وقيل في الجمع أيضًا: يحتمل أن تكون نفت صلاة الضحى المعهودة حينئذ من هيئة مخصوصة بعدد مخصوص في وقت مخصوص، وأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما كان