للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والنهار مثنى مثنى، كما سيأتي تقرير ذلك بأقوال الأئمة في آخر الباب، لكن من صلى بالنهار أربعًا فلا حرج عليه؛ لما ثبت عن ابن عمر في ذلك، كما سيأتي بيانه.

وتقرير ذلك: أنه قد ثبت من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الليل مثنى مثنى" [كما سيأتي بيانه في طرق حديث ابن عمر]، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من غالب فعله في صلاته بالليل: أنه صلاها مثنى مثنى؛ إلا ما نقل عنه خلاف ذلك في حال عارض [قال النووي في شرحه على مسلم (٦/ ٢٠): "وهو المشهور من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"؛ يعني: التسليم من كل ركعتين في صلاة الليل].

وأما صلاته التطوع بالنهار: فلم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من وجه صحيح صريح أنه كان يصلي أربعًا لا يفصل بينهن بالتسليم، وما ثبت عنه في الأربع قبل الظهر فمحمول على الفصل بينهن بسلام، وأما القول بأن حديث جماعة الثقات عن ابن عمر خرج جوابًا لسائل؛ ومن ثم فلم يعد له مفهوم، وقد أشار إليه في مراقي السعود في ذكر موانع اعتبار مفهوم المخالفة بقوله:

أو جهِل الحكمَ أو النطقُ انجلب ... للسؤلِ أو جرى على الذي غلب

فيقال: لم يقع الجواب مطابقًا للسؤال حتى يقال بعدم اعتبار مفهوم المخالفة في هذا الموضع، وقد كان السائل والسامعون بحاجة لبيان كيفية صلاة التطوع بالنهار، فلماذا تعمد - صلى الله عليه وسلم - السكوت عنها، مع علمه بحاجتهم للبيان؛ كحاجتهم لبيان حال ميتة البحر حين سألوه عن الوضوء بمائه، فزادهم في الجواب بيان حال ما لم يسألوا عنه لمسيس حاجتهم إليه، وكذلك الأمر هنا؛ فإنه لما سكت عن صلاة النهار مع حاجتهم إلى معرفة كيفيتها دل ذلك على التوسعة، مع أن المتتبع لسنته الفعلية يجد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي بالنهار مثنى مثنى، ولعل ابن عمر فهم من إجابة السائل أن الأمر واسع في صلاة النهار، فصلاها أربعًا، وحجة أحمد في هذا قوية حين قال: "وقوله: إنه كان يصلي بالنهار أربعًا؛ فيه توهين لحديث يعلى بن عطاء، لأنه ينكَر أن يكون حفظ ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"، ثم يصلي بالنهار أربعًا"، والله أعلم.

وكلام ابن رجب في الفتح (٦/ ١٩١) يدل على صحة هذا المفهوم، وأنه معتبر، فقال عن حديث الجماعة عن ابن عمر: "ويدل بمفهومه على أن صلاة النهار ليست كذلك، وأنه يجوز أن تصلى أربعًا، وقد كان ابن عمر - وهو راوي الحديث - يصلي بالنهار أربعًا، فدل على أنه عمل بمفهوم ما روى".

وممن عمل بمفهوم حديث ابن عمر المتفق عليه أحد أئمة التابعين، الإمام الزهري:

فقد قال عبد الرحمن بن نمر في روايته: وسألت الزهري: أيصلي الرجل أربع ركعات تطوعًا لا يفصل بينهن بتسليم [هكذا بإطلاق من غير قيد بليل أو نهار]؟ فقال: أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قام رجل، فقال: يا رسول الله، كيف صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة" [مسند الشاميين (٢٨٩١)، ويأتي ذكره بطرقه قريبًا].

<<  <  ج: ص:  >  >>