بها، والله أعلم، وثمة أقوال أخرى، وهذه أشهرها [التاريخ الكبير (٥/ ٨٧)، التاريخ الأوسط (٢/ ٣٦/ ١٧٠٤)، المعرفة والتاريخ (١/ ٩)، تاريخ أبي زرعة الدمشقي (٢٥٥ و ٦٩٨)، الثقات (١٥/ ١٩٦ و ١٩٨) و (٧/ ٢٨٧)، مسند الشاميين (٢٣٠٩)، مولد العلماء ووفياتهم (١/ ٣٢٨)، الجامع لأخلاق الراوي (٢/ ٢٠٥/ ١٦٢٥)، تاريخ دمشق (٤٠/ ٢٣١)، التهذيب (٣/ ٩٢)].
ولذلك فإن سن عروة يقصر عن إدراك الصحابة والسماع منهم، فلا بد لإثبات ذلك من إسناد قوي محفوظ، والله أعلم.
فلهذه القرائن؛ فإنه يغلب على الظن أن الأنصاري الذي قال فيه عروة بن رويم: حدثني الأنصاري: ليس بصحابي، فإن عروة نفسه لم يشهد له بالصحبة ولا بالرؤية ولا بالسماع، بأن يقول مثلًا: سمعت رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو حدثني رجل صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أخبرني من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو نحو ذلك من العبارات التي تثبت الصحبة لمن حدثه بهذا الحديث [راجع هذه المسألة بأدلتها في فضل الرحيم الودود (٩/ ٩٦/ ٨١٦)]، بل إن الأنصاري هذا لم يقل: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووصفه بكونه أنصاريًا ليس بدليل على صحبته، فما أكثر التابعين من أولاد الأنصار، فضلًا عن إبهام هذا الأنصاري، وعدم معرفتنا لعينه، ودعوى ابن حجر أنه أبو كبشة الأنماري لا دليل عليها؛ فإنه لا يلزم أن كل ما رواه أبو توبة عن محمد بن مهاجر عن عروة أن يكون عن أبي كبشة، لا سيما مع قلة ما يروى بهذا الإسناد، فإنها ليست بجادة.
وقد وجدت عروة بن رويم يروي عن الأنصاري هذا ثلاثة أحاديث مرفوعة مع اختلاف مخارجها عن عروة، مما يستبعد معه وقوع التحريف في الأحاديث الثلاثة مع اختلاف مصادرها وتعدد مخارجها، فمنها: حديث التسبيح هذا.
ومنها: ما أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة (٢/ ٤٦٩/ ١٠٦٥)، قال: حدثنا الهيثم بن خارجة [بغدادي، ثقة]: نا عثمان بن علاق [هو: عثمان بن حصن بن علاق الدمشقي: ثقة]، قال: سمعت عروة بن رويم يقول: أخبرني الأنصاري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أن الملائكة قالوا: ... فذكر خبرًا منكرًا، بل باطلًا، معارضًا لظواهر النصوص القرآنية، وما صح من مشكاة النبوة، إذ فيه اعتراض الملائكة على الله، وسبقهم له بالقول، وتمنيهم ما أعطى الله البشر من الاستمتاع بالطعام والشراب والثياب والنكاح وركوب الدواب والنوم والراحة، وهذا منافٍ لما جاء من أوصافهم في الكتاب والسنة!!!.
وهذا خبر قد صح إسناده إلى عروة بن رويم، وصح فيه سماعه من الأنصاري، لكنه لم يشهد له بالصحبة، ولم يقل الأنصاري المبهم أنه سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يأتي بعد ذلك بخبر باطل عن الملائكة؛ فأنى لمثل هذا أن يكون صحابيًا، أم على من يكون الحمل في هذا الحديث؟! [تنبيه: الرواية التي أخرجها ابن عساكر في تاريخ دمشق (٥٢/ ١٣٩) من طريق آخر عن ابن علاق به، وفيها: حدثني أنس بن مالك، بدل: الأنصاري، هي رواية منكرة، ولا عبرة بها، ولا يثبت لعروة بن رويم سماع من أنس، وكذلك ما رواه الطبراني في مسند الشاميين