فإن قيل: فلماذا اشتهر حديث شيبان دون حديث جرير؛ فلم يصل الأخير إلينا إلا من هذا الوجه في كتب العلل حسب، فيقال: غالباً ما تتوفر الهمم والدواعي لتحمل المرفوع وروايته دون الموقوف، فلهذا لم تنهض همم المحدثين لتحمل حديث جرير وروايته، والله أعلم.
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الأغر إلا علي بن الأقمر، ولا نعلم رواه عن الأعمش إلا شيبان، ورواه الثوري عن علي بن الأقمر فلم يرفعه إلا عبد الرزاق عن الثوري".
قلت: رواية عبد الرزاق عن الثوري في مصنفه موقوفة، فلعله اختلف على عبد الرزاق في رفعه ووقفه، ولو فرضنا صحة كلام البزار بأن هذا الحديث لا يُعرف عن الأعمش إلا من حديث شيبان، فهو حينئذ: حديث غريب من حديث الأعمش تفرد به عنه شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وهو: ثقة، من أصحاب الأعمش، لكنه ينفرد عنه بأحاديث، ومن ثم فتقدم رواية الثوري الموقوفة، ولكن الصحيح: أن الحديث محفوظ من حديث جرير عن الأعمش موقوفاً، كما تقدم بيانه، والله أعلم.
وقال البزار في الموضع الثاني: "وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا أبو سعيد وأبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بهذا الإسناد".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
وقال النووي في الخلاصة (١٩٩٤)، وفي المجموع (٤/ ٤٩): "رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بإسناد صحيح".
وقال ابن حجر: "هذا حديث صحيح".
قلت: الصحيح عن سفيان الثوري رواية الوقف؛ كما رواه عنه ثقات أصحابه - كما قال أبو داود والدارقطني، ويدل عليه مسلك ابن المديني في العلل-، وكذلك فإن الوقف هو المحفوظ من رواية الأعمش، والله أعلم.
فإذا اتفق الأعمش والثوري [وهما من أحفظ أهل زمانهما، وعليهما مدار أكثر حديث الكوفة] على روايته عن علي بن الأقمر، عن الأفر أبي مسلم، عن أبي سعيد وأبي هريرة، موقوفاً عليهما؛ فمن الناس بعدهما؟!
فهو موقوف بإسناد صحيح.
وله متابعات لا يثبت منها شيء:
أ- رواه محمد بن جابر، عن علي بن الأقمر، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل فصليا ركعتين؛ كتبا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات".
أخرجه أبو يعلى (٢/ ٣٦٠/ ١١١٢)، وابن أبي حاتم في التفسير (٩/ ٣١٣٤/ ١٧٦٨٦)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (٢/ ٤٣٧/ ١٩٤٣).