• فإن قيل: قد روى يحيى بن أبي كثير عن أبي معانق بواسطة أبي سلام، مما يدل على أنه لم يسمع من أبي معانق؟
فيقال: قد روى إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن يوسف، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلام، عن ابن معانق الدمشقي، عن أبي مالك الأشعري، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث:
منها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سأل الله القتلَ في سبيله صادقاً من نفسه ثم مات أو قتل فله أجر شهيد، ومن جُرح جرحاً في سبيل الله أو نُكب نكبةً فإنها تأتي يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها كالزعفران وريحها ريح المسك، ومن خرج به خراج في سبيل الله كان عليه طابع الشهداء".
ومنها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله أعد للمجاهدين في سبيل الله مائة درجة، بين كل درجتين ما بين السماء والأرض، ولو كان في يدي ما أتقوَّى به، وأقوي المسلمين، أو بأيديهم ما يتقوون ما انطلقت سرية إلا كنت صاحبها".
ومنها: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن للشهيد عند الله سبع خصال: ... " فذكر الحديث.
أخرجها إجمالاً: البخاري في التاريخ الكبير (٥/ ١٩٤)، وابن أبي عاصم في الجهاد (٣٨ و ١٧٤ و ١٨٢ و ٢٠٥ و ٢٤٨)، والطبراني في الكبير (٣/ ٣٠٠/ ٣٤٦٤ و ٣٤٦٥)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٣٣/ ٢٠٥).
قلت: ولا يثبت عندي هذا الإسناد عن يحيى بن أبي كثير بهذه الزيادة فيه؛ لأجل سعيد بن يوسف الرحبي هذا، فهو: ضعيف [سؤالات ابن محرز (١/ ٥٣/ ٣٠)، تاريخ أبي زرعة الدمشقي (٤٥٣)، ضعفاء النسائي (٢٧٤)، الجرح والتعديل (٤/ ٧٥)، الثقات (٦/ ٣٧٤)، الكامل (٣/ ٣٨٠)، الميزان (٢/ ١٦٣)، إكمال مغلطاي (٥/ ٣٧٧)، التهذيب (٢/ ٥٢)]، وعلى هذا فالأصل سماع يحيى بن أبي كثير من أبي معانق، والله أعلم.
وأما شبهة الانقطاع الواردة في قول ابن حبان:"يروي عن أبي مالك الأشعري، وما أُراه شافهه"؛ يعني: أن بينهما عبد الرحمن بن غنم [انظر: العلل (١٤٢)، الثقات (٥/ ٣٦) و (٧/ ٥٢)]؛ فهي مدفوعة برواية معاوية بن سلام المصرحة بسماع أبي معانق من أبي مالك، لا سيما وهما جميعًا أشعريان، قال أبو أحمد الحاكم في الكنى، فيمن لا يعرف له اسماً:"أبو معانق الأشعري سمع أبا مالك الأشعري" [تاريخ دمشق (٣٣/ ٢٠٧)]؛ فأثبت سماعه من أبي مالك، كما أنه قديم الوفاة، فقد وقع في كتاب الصريفيني:"توفي في حدود سنة ست وتسعين" [إكمال مغلطاي (٨/ ٢١٤)]، وذكره الذهبي في وفيات ما بين (٨١ - ٩٠) [تاريخ الإسلام (٢/ ٩٦٢ - ط. الغرب)]، والله أعلم.
وقد ذكروا وفاة أبي مالك الأشعري في طاعون عمواس، سنة (١٨)، وفي ثبوت السماع دليل على أن أبا معانق قد عمَّر حتى أدرك أبا مالك وهو صغير، والله أعلم.
قال الضياء المقدسي في صفة الجنة (٥٦) بعد حديث عبد الله بن عمرو الآتي: "هذا