للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قد روى إسماعيل بن عبد الكريم، عن إبراهيم بن عقيل، عن أبيه، عن وهب بن منبه، عن جابر، قال يحيى: وقد رأيت أنا إبراهيم بن عقيل، كان إبراهيم بن عقيل هذا يأتى هشام بن يوسف، ولم يكن به بأس، ولكنه ينبغي أن تكون صحيفة وقعت إليهم، لم يلق وهب بن منبه جابرًا" [نقله ابن عساكر في تاريخ دمشق (٦٣/ ٣٧٦)].

وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم، عن ابن معين: "إسماعيل بن عبد الكريم: ثقة، رجل صدق، والصحيفة التي يرويها عن وهب عن جابر: ليست بشيء، إنما هو كتاب وقع إليهم، ولم يسمع وهب من جابر شيئًا، [تهذيب الكمال (٣/ ١٤٠)].

قلت: هذا النص الذي بين أيدينا عن ابن معين، ليس فيه أن وهب بن منبه سأل جابرًا، أو سمعه، ولما لم يكن وهب معروفاً بالتدليس والإرسال غلب على ظن ابن معين أنه تحمل هذا عن جابر من كتاب وقع له، ثم أدلى بحجته في ذلك بقوله: "لم يلق وهب بن منبه جابرًا"، وفي الرواية الأخرى نفى السماع مطلقًا، ولا يبعد عندي أن يكون ابن معين ذهب إلى هذا القول قياسًا على الحسن البصري، الذي قاربت وفاته وفاة وهب، وأن الحسن لم يسمع من جابر؛ إنما روى عنه من كتاب.

وقد خالف ابنَ معين في ذلك، واعتمد هذا الإسناد في إثبات سماع وهب من جابر: مسلم، وأبو أحمد الحاكم، وابن منده، في كناهم، فقالوا: "سمع جابر بن عبد الله"، وجزم ابن عساكر في تاريخ دمشق بلقيه جابرًا [الكنى لمسلم (١٨١٩)، فتح الباب (٤٢١٠)، تاريخ دمشق (٦٣/ ٣٦٦ و ٣٧١ و ٣٧٢)]، والتاريخ يعضد قولهم، فقد كان وهب عند وفاة جابر قد ناهز الأربعين أو تعداها، فكيف ينفى سماعه من جابر؟ وقد كان رجلًا كبيرًا قبل وفاة جابر، فلا بد لمن نفى السماع الوارد بإسناد قوي كهذا أن يبين حجته، ويدلل على صحة دعواه ببرهان قاطع، وعليه: فالحجة في إثبات السماع قائمة بهذا الإسناد، وتصريح الأئمة بسماعه، والمثبت مقدم على النافي، والله أعلم.

ثم إن البزار قد بيَّن بأن مرويات وهب عن جابر مستقيمة، وليس فيها ما يستنكر، فقال في المسند (٢٣٤): "وقد روى وهب عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أحاديث صالحة".

وقد علق البخاري في كتاب التفسير من صحيحه أثرًا لجابر في الطواغيت في تفسير سورة النساء قبل الحديث رقم (٤٥٨٣)، علقه بصيغة الجزم، وهو مروي بهذا الإسناد، وقد ذكره ابن حجر في التغليق (٤/ ١٩٥) من طريق ابن أبي حاتم في تفسيره، وقال في الفتح (٨/ ٢٥٢): "وصله ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه، قال: سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت، فذكر مثله".

قال المزي في التهذيب (٣/ ١٤٠) عن هذا الإسناد: "وهذا إسناد صحيح إلى وهب بن منبه، وفيه رد على من قال: إنه لم يسمع من جابر، فإن الشهادة على الإثبات؛ مقدمة على الشهادة على النفي، وصحيفة همام عن أبي هريرة مشهورة عند أهل العلم، ووفاة أبي هريرة قبل وفاة جابر، فكيف يستنكر سماعه منه، وكانا جميعاً في بلد واحد؟ " [وأما

<<  <  ج: ص:  >  >>