هذه السورة، ومن هذه، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لأبي بكر:"لم تخافت؟ "، فقال: إني أسمع من أناجي، وقال لعمر:"لم تجهر؟ "، فقال: أُفزع الشيطان، وأوقظ الوسنان، وقال لعمار:"لم تأخد من هذه وهذه؟ "، قال: تسمعني أخلط به ما ليس منه؟ قال:"لا"، قال: فكله طيب. وفي رواية: وقال لعمار: "لم تأخذ من هذه السورة ومن هذه السورة؟ "، قال:"أتخلط به ما ليس منه؟ "، قال: لا، قال:"فكلٌّ طيب".
أخرجه أحمد في المسند (١/ ١٠٩/ ٨٦٥)، وفي فضائل الصحابة (١٠٠)، وأبو نعيم في الحلية (١/ ١٤١)، والبيهقي في الشعب (٤/ ٣٩٥/ ٢١٠٥)، والواحدي في تفسيره الوسيط (٣/ ١٣٤)، والضياء في المختارة (٢/ ٣٩٧ - ٣٩٩/ ٧٨٥ - ٧٨٧)، وابن حجر في نتائج الأفكار (٢/ ١١)، وقال:"حديث حسن " ١١ لإتحاف (١١/ ٦٤٩/ ١٤٨٠٢)، المسند المصنف (٢١/ ٤٨٢/ ٩٧٤٤)].
قلت: هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي: سمع عليًّا، لم يرو عنه سوى أبي إسحاق السبيعي، وأبو إسحاق معروف بالرواية عن جماعة من المجاهيل الذين لم يرو عنهم غيره، قال النسائي:"ليس به بأس"، وقال العجلي:"كوفي تابعي ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح له ابن حبان والحاكم، قلت: وهؤلاء جميعًا معروفون بتوثيق المجاهيل، لكن قال فيه ابن سعد:"كان يتشيع، وكان منكر الحديث"، وقال الشافعي:"لا يُعرف"، وقال في رواية حرملة:"مع أنه يُعلم أن هانئ بن هانئ: لا يعرف، وأن هذا الحديث [يعني: حديث العنين] عند أهل العلم بالحديث مما لا يثبتونه؛ لجهالتهم بهانئ بن هانئ"، وقال ابن المديني:"مجهول"، وذكره مسلم فيمن تفرد بالرواية عنهم أبو إسحاق السبيعي، ولم يحتج به البيهقي، وقال:"ليس بالمعروف جدًّا"، وقال البزار:"وهانئ بن هانئ: لا نعلم روى عنه إلا أبو إسحاق"، وأخرج له ابن جرير الطبري حديثًا في فضل عمار، كما في تهذيب الآثار (١٤ - ١٧ - مسند علي)، ثم قال:"وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيمًا غير صحيح، لعلل: أحدها: ... "، فذكرها إلى أن قال:"والخامسة: أن هانئ بن هانئ: عندهم مجهول، ولا تثبت الحجة في الدين إلا بنقل العدول المعروفين بالعدالة"، وقال الماوردي في الحاوي (٩/ ٣٦٩) عن حديث العنين: "تلك الرواية ليست ثابتة؛ لأن هانئ بن هانئ: ضعيف عند أصحاب الحديث" [الطبقات الكبرى (٦/ ٢٢٣)، التاريخ الكبير (٨/ ٢٢٩)، المنفردات والوحدان (٣٦٤)، معرفة الثقات (١٨٨٣)، مسند البزار (٧٤٠ - ٧٤٢)، الجرح والتعديل (٩/ ١٠١)، الثقات (٥/ ٥٠٩)، الكامل (١/ ١١٥)، سنن البيهقي (٧/ ٢٢٧) و (١٠/ ٢٢٦)، المعرفة للبيهقي (٥/ ٣٦٥)، الميزان (٤/ ٢٩١)، المغني في الضعفاء (٦٧٢٦)، التهذيب (٤/ ٢٦٢)].
والحاصل من أقوال النقاد في هانئ بن هانئ أنه: مجهول، لم يرو عنه سوى أبي إسحاق السبيعي، ثم ننظر بعد ذلك في مروياته؛ فإن روى معروفًا قبلناه، وإن روى منكرًا رددناه، وقد سبق تحرير هذه المسألة مرارًا، والله أعلم.