للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويؤيد ما ذهبت إليه: قول ابن أبي حاتم في العلل (٤٨٩): "سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم، عن ابن ثوبان، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن أبيه؛ أن سعدًا كان يوتر بركعة؛ ويقول: ثلاث أحبُّ إليَّ من واحدة، وخمس أحبُّ إليَّ من ثلاث، وسبع أحبُّ إليَّ من خمس، وما كان أكثر فهو أحبُّ إليَّ؟

قال أبي: إنما يروي إسماعيل بن محمد، عن عمه، عن سعد: أنه كان يوتر بواحدة، وأما ذكر الخمس والسبع: فإنما يروي إسماعيل بن محمد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قوله".

وموضعٍ الشاهد من إيراد هذه المسألة: أن هذا الحديث يُعرف عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا عليه في الخمس والسبع، ولو كان مشهورًا بالرفع عند أبي حاتم لأشار إليه، أو نبه عليه استطرادًا، واحتجاج أبي حاتم بموقوف أبي هريرة في إعلال الرواية الأخرى؛ يعني: ثبوته عنده، وإسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص المدني: ثقة حجة، روى له الشيخان، وروايته بالوقف أولى عندي بالصواب، من رواية الرفع التي لم تشتهر في بلدها، ولا خارجها، والله أعلم.

ثم وجه آخر من النكارة في الحديث - لو كان مرفوعًا -: أنه جوَّز الوتر بخمس وسبع، وهذا لا إشكال فيه؛ لثبوته في أحاديث، لكن وجه الإشكال، أنه لم يشر إلى مشروعية الوتر بواحدة، مع كون الإيتار بواحدة هو الأثبت والأكثر والأشهر من جهة الرواية، كما ثبت في حديث ابن عمر وعائشة وزيد بن خالد وابن عباس، حتى ذهب بعضهم إلى أن الوتر لا يكون إِلَّا بواحدة، ورد ما عدا ذلك، فأخطأ.

ووجه آخر من النكارة، فإنه إذا كان مورد المنع هو التشبه بصلاة المغرب؛ فلا يمكن إطلاق النهي إِلَّا على أحد أمرين: الأول: نفس عدد الركعات، والثاني: الجلوس للتشهد الأوسط، فإن كان الأول: فقد صح خلافه في ظاهر حديث عبد الرحمن بن أبزى [وهو حديث صحيح، سبق تخريجه في الذكر والدعاء (١/ ٣٥٣/ ١٧٥)، ويأتي في السنن برقم (١٤٢٣)]، ففيه مشروعية الوتر بثلاث، وحديث ابن أبزى وإن لم يكن صريحًا في الوصل ولا الفصل؛ فقد احتج بعضهم بظاهره على الوتر بثلاث متصلة، وهذا وجه معارضته لحديث أبي هريرة هذا، وليس عندنا دليل صحيح على المنع من الإيتار بثلاث؛ لا سيما مع ثبوت الأثر عن بعض الصحابة في الإيتار بثلاث بسلام واحد [راجع مثلًا: الأوسط لابن المنذر (٥/ ١٨٠)، وليس هنا موضع بحث مسألة عدد ركعات الوتر، وإنّما نحن بصدد عدد ركعات صلاة الليل، وهيئات صلاة الليل، وأما مسائل الوتر، فسوف يأتي بحثها - إن شاء الله تعالى - في موضعها من السنن في أبواب الوتر، والتي تبدأ بالحديث رقم (١٤١٦)].

وأما إذا كان المعنى الثاني هو المراد؛ فإنه لم يكن ليتوجه النهي إلى الإيتار بثلاث، وإنما يتوجه المنع إلى عين الصفة الذي يقع بها الشبه، وهو الجلوس للتشهد الأوسط؛ كأن

<<  <  ج: ص:  >  >>