وقال في المعالم (١/ ٢٨٠): "معناه: أن الله سبحانه لا يمل أبداً وإن مللتم، وهذا كقول الشاعر الشنفرى: صَلِيتْ مني هُذيل بحرق ...... لا يمل الشر حتى تملوا
يريد أنه لا يمل إذا ملوا، ولو كان يمل عند ملالهم لم يكن له عليهم فضل، وقيل معناه: أن الله لا يمل من الثواب ما لم تملوا من العمل، ومعنى يمل: يترك؛ لأن من ملَّ شيئاً تركه وأعرض عنه".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١/ ١٩٤): "قوله: "إن الله لا يمل حتى تملوا": معناه عند أهل العلم: إن الله لا يمل من الثواب والعطاء على العمل حتى تملوا أنتم، ولا يسأم من أفضاله عليكم إلا بسآمتكم عن العمل له، وأنتم متى تكلفتم من العبادة ما لا تطيقون لحقكم الملل، وأدرككم الضعف والسآمة، وانقطع عملكم، فانقطع عنكم الثواب لانقطاع العمل، يحضهم - صلى الله عليه وسلم - على القليل الدائم، ويخبرهم أن النفوس لا تحتمل الإسراف عليها، وأن الملل سبب إلى قطع العمل" [وانظر: بحر الفوائد لأبي بكر الكلاباذي (٢٠٠)، مشكل الحديث لابن فورك (٢٧٢)، سنن البيهقي (٣/ ١٧)، المعلم بفوائد مسلم للمازري (١/ ٤٥٧)، القبس شرح الموطأ (١/ ٢٩١)، المسالك في شرح الموطأ (٢/ ٤٨٨)، إكمال المعلم (٣/ ١٤٧)، مشارق الأنوار (١/ ٣٨٠)، كشف المشكل (٤/ ٢٧٧)، التوضيح لابن الملقن (٣/ ١١٦)، هدي الساري (١٩٠)، الفتح لابن حجر (١/ ١٠٢) و (١٠/ ٣١٤)، وغيرها كثير].
• وقد أثبت ابن منده فعل الرب جل وعلا؛ فقال في كتابه التوحيد مترجماً لهذا الحديث بقوله:"ذكر الأخبار المأثورة في الملالة، وأن الله - عز وجل - لا يسأم حتى يسأم عبده".
قال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (٣٧٠): "اعلم أنه غير ممتنع إطلاق وصفه تعالى بالملل؛ لا على معنى السآمة والاستثقال ونفور النفس عنه، كما جاز وصفه بالغضب لا على وجه النفور، ... "؛ إلى أن قال:"فإن قيل: معناه: إن الله لا يمل إذا مللتم، ومثل هذا قولهم: إن هذا الفرس لا يفتر حتى تفتر الخيل، وليس المراد بذلك أنه يفتر إذا فترت الخيل، إذ لو كان المراد به هذا ما كان له فضل عليها، لأنه يفتر معها، وإنما المراد به لا يفتر وإن فترت الخيل، ... ، فعلى هذا يكون معنى الخبر أن الله - عز وجل - لا يترك الإحسان إلى عبيده، وإن تركوا هم طاعته.
قيل: هذا غلط، لأن الخبر قصد به بيان التحريض على العمل والحث عليه وإن قل، فإذا حمل الخبر على استدامة الثواب مع انقطاع العمل من العامل لم يوجد المقصود بالخبر، لأنه يعول على التفضل ويطرح العمل، ... ".
قلت: نعم؛ نجري اللفظ على ظاهره، كما قال السلف: أمروها كما جاءت بلا كيف، مع عدم اعتقاد قيام صفة من صفات النقص بالله - عز وجل -، وإنما هو موصوف بصفات الجمال والجلال والكمال من جميع الوجوه، لا نقص فيها بوجه، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى: ١١]، فنثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه، من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل.