للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أسجد صبيحتها في طينٍ وماءٍ"، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين، وقد قام إلى الصبح، فمطرت السماء، فوكف المسجد، فأبصرت الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح، وجبينه ورَوثَة أنفه فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر.

ونحن إذا قلنا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عنى بالوتر التاسعة التي تبقى، والسابعة التي تبقى، والخامسة التي تبقى، على الدوام في كل شهر يأتي؛ سواء كان ناقصاً أم تاماً؛ لم يكن له معنى لعموم المكلفين بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لأن عموم المكلفين إذا طلبوها في الأوتار من العشر، فليس لهم سوى سبيل واحد، وهو عد الليالي فيما مضى من الشهر، لا فيما بقي؛ لكون الأخير مما اختص الله بعلمه، من تمام الشهر أو نقصانه، وأما عده فيما مضى فهو ما يمكن المكلف فعله، ولا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها.

وكذلك في حديث أبي هريرة السابق ذكره تحت الحديث رقم (١٣٨٠) [وهو حديث صحيح على شرط الشيخين]: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كم مضى من الشهر؟ قال: قلنا: مضت ثنتان وعشرون، وبقي ثمان، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا، بل مضت منه ثنتان وعشرون، وبقي سبع، اطلبوها الليلة"، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشهر هكذا وهكذا"، ثلاث مرات، عشرة عشرة مرتين، وواحدة تسعة. وفي رواية: "الشهر تسع وعشرون".

وكذلك في حديث أبي ذر المتقدم برقم (١٣٧٥) [وهو حديث صحيح]: صمنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبعٌ، فقام بنا حتى ذهب نحو من ثلث الليل، ثم لم يقم بنا الليلة الرابعة، وقام بنا الليلة التي تليها [ليلة الخامسة] حتى ذهب نحو من شطر الليل، قال: فقلنا: يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: "إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له بقية ليلته"، ثم لم يقم بنا [ليلة] السادسة، وقام بنا [ليلة] السابعة، وقال: وبعث إلى أهله [ونسائه]، واجتمع الناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال: قلت: وما الفلاح؟ قال: السحور.

وهذا الحديث يؤكد أن الشهر كان ناقصاً في تلك السنة، وأن الليالي التي صلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها: هي ليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين.

وبناء على هذه الأحاديث يمكن تفسير الأحاديث الواردة في الباب، في طلب ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى، في ثالثة تبقى، يعني على الترتيب الوارد: في ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وهكذا، بناء على نقصان الشهر وعدم تمامه، يعني في ليالي الوتر من العشر بحسابها فيما مضى من الشهر، والله أعلم.

° وهذا هو نفس ما ذهب إليه مالك في تفسيرها:

قال مالك في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "التمسوا ليلة القدر في التاسعة والسابعة والخامسة"؛

<<  <  ج: ص:  >  >>