وقال مسدد: حدثنا يحيى، عن عكرمة بن عمار؛ سمع سماكاً أبا زميل؛ سمع مالك بن مرثد؛ سمع أباه؛ سمع أبا ذر؛ سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال ابن المبارك: عن الأوزاعي، عن أبي مرثد، أو ابن مرثد، عن أبيه.
وقال بعضهم: كنيته أبو كثير".
وإيراد البخاري للاختلاف في هذا الحديث يشعر بعدم ثبوته عنده، لأجل اختلاف اثنين من الثقات في اسم صاحب الترجمة، ولم يرو عنه غيرهما، وكون أبيه لا يُعرف إلا برواية ابنه عنه، مع كون هذا الحديث الذي خصه بالذكر دون بقية ما روي بهذا الإسناد: لم يتابع عليه مرثد عن أبي ذر، ولا عن غيره، والله أعلم.
وعليه: فهو حديث منكر؛ تفرد به مرثد الزماني، ويقال: الذماري، ولم يتابع عليه عن أبي ذر، وليس له شاهد عن صحابي آخر، فإن هذا الحديث بهذا السياق وهذه القصة، لا يُعرف إلا من طريقه، وهو مجهول، لا يحتمل منه ذلك؛ لا سيما مع اشتمال حديثه هذا على ما يستنكر، مما لم نجده مرفوعاً إلا من طريقه، مثل قوله:
يا رسول الله! أخبرني عن ليلة القدر، [في رمضان هي، أو في غيره؟ قال: "في رمضان".
فكيف يستشكل ذلك أبو ذر، وقد دل القرآن والسُّنَّة على كونها في رمضان دون غيره من الشهور.
ومثل قوله: يا رسول الله! تكون مع الأنبياء ما كانوا، فإذا قُبض الأنبياء رُفعت؟ أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: "لا؛ بل هي إلى يوم القيامة".
وفي رواية: ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء، فإذا ذهبوا رُفعت؟
وليس معنا دليل من كتاب ولا سنة يدل على أن ليلة القدر كانت لغير نبينا - صلى الله عليه وسلم -، بل عموم النصوص تنوه بمعنى اختصاص هذه الأمة بها، وذلك غير ما جاء في ذلك صريحاً من المراسيل.
ومثل قوله: "أقسمتُ عليك بحقي عليك"، وفيه الإقسام والحلف بغير الله تعالى، ولم ينقل فيه إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه؛ بل أقره على ذلك، وأبر قسمه، وقد صح النهي الصريح عن ذلك، مثل حديث ابن عمر الذي روي عنه من وجوه متعددة، منها: عن نافع، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدرك عمر بن الخطاب، وهو يسير في ركب، يحلف بأبيه، فقال: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" [أخرجه البخاري ٢٦٧٩١ و ٦١٠٨ و ٦٦٤٦)، ومسلم (١٦٤٦)]، ومنها: عن عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله"، وكانت قريش تحلف بآبائها، فقال: "لا تحلفوا بآبائكم" [أخرجه البخاري (٣٨٣٦ و ٦٦٤٨)، ومسلم (١٦٤٦)]، وغير ذلك من الأحاديث الدالة على تحريم الحلف بغير الله تعالى.