وفي سنة تكون ليلة أخرى؛ لأنها إنما تفضل بعد نزول القرآن فيها بنزول الملائكة، وكان نزول الملائكة بإذن الله لتسليمهم على عباد الله يختلف في هذه الليالي، فأية ليلة نزلت فيها للتسليم تضاعف فيها عمل الخيرات، وبالله التوفيق" [وذكر نحوه في الشعب (٦/ ٢٤٦) نقلًا عن الحليمي].
وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢/ ٢٠٤): "في ليلة إحدى وعشرين: حديث أبي سعيد الخدري، وفي ليلة ثلاث وعشرين: حديث عبد الله بن أنيس الجهني، وفي ليلة سبع وعشرين: حديث أبي بن كعب، وحديث معاوية بن أبي سفيان، وهي كلها صحاح".
وقال أيضًا بعد حديث أبي ذر (٢/ ٢١٤)[وقد سبق أن بينتُ ضعفَه]: "ففي حديث أبي ذر هذا: ما يدل على أنها في رمضان كله، وأنها أحرى أن تكون في العشر، وفي السبع البواقي، وجائز أن تكون في العشر الأول، وقد قال الله -عز وجل-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}[البقرة: ١٨٥]، وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)} [القدر: ١]، وهذا يدل على أنه لا يدفع أن تكون في رمضان كله- والله أعلم-؛ لكنها في الوتر من العشر أو السبع البواقي تكون أكثر؛ على ما تدل عليه الآثار"، قلت: والحديث منكر؛ فلا يصلح الاستدلال به على المدَّعى.
وقال في موضع آخر (٢٣/ ٦٣): "وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن ليلة القدر في كل رمضان ليلة إحدى وعشرين، وذهب آخرون إلى أنها ليلة ثلاث وعشرين في كل رمضان، وذهب آخرون إلى أنها ليلة سبع وعشرين في كل رمضان، وذهب آخرون إلى أنها تنتقل في كل وتر من العشر الأواخر، وهذا عندنا هو الصحيح إن شاء الله".
وقال في الاستذكار (٣/ ٤١٤): "قال مالك والشافعي والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور: هي منتقلة في العشر الأواخر من رمضان، ولا يدفعون أن تكون في كل رمضان".
وقال أبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (٢/ ٢٠٣): "الظاهر من الآثار أنها في رمضان، وأنها تتفاوت، فربما وقعت مرةً ليلة إحدى وعشرين"، ثم ساق أحاديث الباب.
وقال ابن العربي في أحكام القرآن (٤/ ٤٣٤): " ... ، ثم أنبأه الله بها، فخرج ليخبر بها فأنسيها لشغله مع المتخاصمين، لكن بقي له من العلم الذي كان أخبر به أنها في العشر الأواخر، ثم أخبر في الصحيح أنها في العشر الأواخر، وتواطأت روايات الصحابة على أنها في العشر الأواخر، كما قال هو - صلى الله عليه وسلم -، واقتضت رؤياه أنها في العشر الأواخر من طريق أبي سعيد الخدري في ليلة إحدى وعشرين، ومن طريق عبد الله بن أنيس أنها ليلة ثلاث وعشرين، ثم أنبأ عنها بعلامة، وهي طلوع الشمس بيضاء لا شعاع لها، ... ، فوجد ذلك الصحابة ليلة سبع وعشرين، ... ، ثم خص السبع الأواخر من جملة الشهر، فحث على التماسها فيها، ثم وجدناها بالرؤيا الحق ليلة إحدى وعشرين في عام، ثم وجدناها بالرؤيا الصدق في ليلة ثلاث وعشرين في عام، ثم وجدناها بالعلامة الحق ليلة سبع وعشرين؛