فعلمنا أنها تنتقل في الأعوام، لتعم بركتها من العشر الأواخر جميع الأيام، وخبأها عن التعيين ليكون ذلك أبرك على الأمة في القيام في طلبها شهراً أو أيامًا، فيحصل مع ليلة القدر ثواب غيرها، كما خبأ الكبائر في الذنوب، وساعة الجمعة في اليوم حسبما قدمناه".
وقال الفاكهانى في رياض الأفهام (٣/ ٤٩٩): "قال ابن بزيزة: والصحيح -والله أعلم- أن هذه الليلة أخفيت عن الخلق؛ ليجتهدوا في العشر".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (٢/ ٤٧٦): "ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان، هكذا صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "هي في العشر الأواخر من رمضان، وتكون في الوتر منها".
لكن الوتر يكون باعتبار الماضي، فتطلب ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين.
ويكون باعتبار ما بقي، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لتاسعة تبقى، لسابعة تبقى، لخامسة تبقى، لثالثة تبقى"، فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع، وتكون الاثنين وعشرين تاسعة تبقى، وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى، وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح، وهكذا أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشهر.
وإن كان الشهر تسعًا وعشرين، كان التاريخ بالباقي، كالتاريخ الماضي.
وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تحروها في العشر الأواخر"، وتكون في السبع الأواخر أكثر، وأكثر ما تكون ليلة سبع وعشرين، كما كان أبي بن كعب يحلف أنها ليلة سبع وعشرين، فقيل له: بأي شيء علمت ذلك؟ فقال بالآية التي أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أخبرنا أن الشمس تطلع صبيحتها كالطست، لا شعاع لها.
فهذه العلامة التي رواها أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أشهر العلامات في الحديث، وقد روي في علاماتها: أنها ليلة بلجة منيرة، وهي ساكنة، لا قوية الحر، ولا قوية البرد، وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام، أو اليقظة، فيرى أنوارها، أو يرى من يقول له هذه ليلة القدر، وقد يفتح على قلبه من المشاهدة ما يتبين به الأمر، والله تعالى أعلم" [مجموع الفتاوى (٢٥/ ٢٨٤)].
قلت: سبق بيان أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى"، أن ذلك كان في وقائع بعينها كان شهر رمضان فيها ناقصاً، وقد قلت في أثناء البحث عن حديث أبي ذر: وهذا الحديث يؤكد أن الشهر كان ناقصاً في تلك السنة، وأن الليالي التي صلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها: هي ليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين.
وبناء على هذه الأحاديث يمكن تفسير الأحاديث الواردة في الباب، في طلب ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى، في ثالثة تبقى، يعني على الترتيب