قلت: هكذا أعمل أحمد ما صح من النصوص الواردة في الباب، ولم يرد بعضها ببعض، ولم يجعله من اختلاف التعارض، وإنما هو من اختلاف التنوع، كما سيأتي بيانه في كلام الأئمة بعده.
* قال الربيع بن سليمان:"سئل الشافعي -رحمه الله- عن الوتر، أيجوز أن يوتر الرجل بواحدة، ليس قبلها شيء، فقال: نعم، والذي أختار أن يصلي عشر ركعات، ثم يوتر بواحدة. فقلت للشافعي: فما الحجة في أن الوتر يجوز بواحدة، فقال: الحجة فيه السُّنَّة والآثار"، ثم احتج بحديث ابن عمر وعائشة في الوتر بواحدة، ثم بأثر ابن عمر في التسليم بين الركعتين والركعة، ثم قال:"وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يحيي الليل بركعة، هي وتره، وأوتر معاوية بواحدة، فقال ابن عباس: أصاب"، قلت: وكذلك ما ثبت عن سعد بن أبي وقاص عند البخاري، وتقدم ذلك كله في محله [الخلافيات (٣/ ٢٥٢٩/٣٢٦)، المعرفة (٤/ ٥٣ - ط قلعجي)].
• وقال محمد بن نصر المروزي في قيام الليل (١٢٧ - مختصره): "فالذي نختار لمن صلى بالليل: أن يصلي مثنى مثنى، يسلم بين كل ركعتين، ويجعل آخر صلاته ركعة لهذه الأحاديث، هذا عندنا اختيار لا إيجاب، لأنه قد روي أنه صلى بالليل خمساً لم يسلم إلا في آخرهن، فاستدللنا بذلك على أن قوله: "الصلاة مثنى مثنى"، إنما هو اختيار، ومن أحب أن يصلي ثلاثًا أو خمساً أو سبعاً أو تسعأ، لا يسلم إلا في آخرهن، فذلك له مباح، والاختيار أن يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة".
• وقال محمد بن نصر أيضًا في كتاب الوتر (٢٨٤ - مختصره): "فالذي نختاره لمن صلى بالليل في رمضان وغيره: أن يسلم بين كل ركعتين، حتى إذا أراد أن يوتر صلى ثلاث ركعات، يقرأ في الركعة الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)} " وفي الثانية بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)}، ويتشهد في الثانية ويسلم، ثم يقوم فيصلي ركعة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} والمعوذتين.
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أوتر بسبع، لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في آخرهن.
وقد روي عنه أنه أوتر بتسع لم يجلس إلا في الثامنة والتاسعة.
وكلُّ ذلك جائزٌ أن يعمل به اقتداء به -صلى الله عليه وسلم- أن الاختيار ما ذكرنا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن صلاة الليل أجاب بأن صلاة الليل مثنى مثنى، فاخترنا ما اختار هو لأمته، وأجزنا فعل من اقتدى به ففعل مثل فعله؛ إذ لم يُرو عنه نهيٌ عن ذلك، بل قد روي عنه أنه قال:"من شاء فليوتر بخمس، ومن شاء فليوتر بثلاث، ومن شاء فليوتر بواحدة".
غير أن الأخبار التي رويت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه أوتر بواحدة هي أثبت وأصح وكثر عند أهل العلم بالأخبار، واختياره -صلى الله عليه وسلم- حين سئل كان كذلك، فلذلك اخترنا الوتر بركعة على ما فسرنا، واخترنا [كذا، ولعل الصواب: وأجزنا، العمل بالأخبار الأخر، لأنها أخبار حسان غير مدفوعة عند أهل العلم بالأخبار".