الركوع فلا بأس، لفعل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- واختلافهم، فأما في الفجر فبعد الركوع" [التنقيح لابن عبد الهادي (٢/ ٤٥١)، زاد المعاد (١/ ٢٨١)، النكت على ابن الصلاح للزركشي (٢/ ٢٠١)، الفتح لابن رجب (٩/ ١٩٤)].
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أنس من وجه صحيح إلا عن عاصم عن أنس.
وقد روى هذا الحديث الحفاظ من أصحاب أنس عن أنس، منهم: محمد بن سيرين، وأبو مجلز وقتادة وغيرهم، عن أنس؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قنت بعد الركوع".
وقال الطحاوي (١/ ٢٤٨): "وأما قوله: ولكن القنوت قبل الركوع؛ فلم يذكر ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد يجوز أن يكون ذلك أخذه عمن بعده، أو رأيًا رآه، فقد رأى غيره من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلاف ذلك، فلا يكون قوله أولى من قول من خالفه إلا بحجة تبين لنا".
وقال البيهقي في المعرفة (٣/ ١٢٨) عن القنوت بعد الركوع: "وهذا أولى مما روي عن عاصم الأحول عن أنس في القنوت قبل الركوع، وأن القنوت بعده إنما كان شهرًا، وما روي عن عبد العزيز بن صهيب في بعض هذا المعنى، لأن محمد بن سيرين: أحفظ من روى حديث القنوت عن أنس بن مالك، وأفقههم"، قلت: وقد تابعه على ذلك: قتادة، وأبو مجلز، وأنس بن سيرين، وعلي بن زيد بن جدعان، وحنظلة، وقد أطال البيهقي الكلام في الخلافيات (٣/ ٣٤١) في تأويل رواية عاصم الأحول.
وقال أبو بكر الخطيب في كتاب القنوت: "أما حديث عاصم الأحول عن أنس: فإنه تفرد بروايته، وخالف الكافة من أصحاب أنس، فرووا عنه القنوت بعد الركوع، والحكم للجماعة على الواحد" [الفتح لابن رجب (٩/ ١٩٤)].
وقال ابن الجوزي في التحقيق (٧٠٠): "قال أبو بكر الخطيب: الأحاديث التي جاء فيها قبل الركوع كلها معلولة".
وقال ابن رجب في الفتح (٩/ ١٩٣) بعد أن ساق الاختلاف في لفظه عن عاصم: "فتبين بهذا: أن رواية عاصم الأحول عن أنس -في محل القنوت، والإشعار بدوامه-: مضطربة متناقضة"، ثم ساق بعض كلام الأئمة في عاصم، ثم قال: "وحينئذ؛ فلا يقضى برواية عاصم عن أنس -مع اضطرابها-؛ على روايات بقية أصحاب أنس، بل الأمر بالعكس. وقد أنكر الأئمة على عاصم روايته عن أنس القنوت قبل الركوع".
ثم قال: "وقد حمل بعض العلماء المتأخرين حديث عاصم عن أنس في القنوت قبل الركوع على أن المراد به: إطالة القيام، كما في الحديث:"أفضل الصلاة طول القنوت"، والمراد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطيل القيام قبل الركوع للقراءة، وإنما أطاك القيام بعد الركوع شهرًا حيث دعا على من قتل القراء، ثم تركه، وقد صح عن ابن عمر مثل ذلك، ... ، أنه كان لا يقنت في الفجر، ولا في الوتر، وكان إذا سئل عن القنوت، قال: ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن".