للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: لعل ابن رجب في ذلك يعرض بشيخه ابن القيم، حيث دافع عن صحة حديث عاصم عن أنس؛ لاتفاق الشيخين على صحته، ثم تأوله بما قاله ابن رجب [زاد المعاد (١/ ٢٨٢)].

° ثم أقول وبالله التوفيق: إن حديث عاصم الأحول عن أنس: حديث متفق عليه، لكن اختلف العلماء فيه، وحاصل الأقوال:

أن عاصمًا الأحول قد اختلف الثقات عليه في متنه، حيث كان يحدث به على وجوه مختلفة، مما يشعر بأنه لم يكن يضبطه ضبطًا محكمًا، ثم إنه ذكر في حديثه عن أنس أنه يقول بالقنوت قبل الركوع، ولم ينقله أحد من أصحاب أنس الثقات الآنف ذكرهم؛ محمد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وقتادة، والذي اقتصروا في روايتهم على: أن قنوت النبي -صلى الله عليه وسلم- في واقعة بئر معونة كان بعد الركوع، بل قد تابعهم عاصم نفسه على ذلك؛ إلا أنه زاد أن أنسًا كان يقول بأن القنوت قبل الركوع.

وقد ذهب أحمد والبزار والطحاوي والبيهقي والخطيب إلى ترجيح قول الجماعة عن أنس، وتأول الطحاوي والبيهقي رواية عاصم من أوجه؛ أقواها: أن القول بأنه قبل الركوع إنما هو موقوف على أنس، ولم يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل قال أنس ردًا على المخالف: إنما قنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الركوع شهرًا؛ فشهد على النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قنت بعد الركوع، ولم يشهد عليه أنه قنت قبل الركوع، فنأخذ بنقله الصريح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونترك شيئًا قد اجتهد فيه، أو نقله عن غير النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث لم ينص أنس على أنه أخذه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله الموفق للصواب.

قلت: ولا يستبعد أن أنسًا [في حديث عاصم الأحول عنه] أراد بالقنوتِ قبلَ الركوع قنوتَ الوتر، والله أعلم؛ وذلك أنه قد ثبت عن عمر بن الخطاب، وعن ابن مسعود؛ أنهما كانا يقنتان في الوتر قبل الركوع [راجع الحديث المتقدم برقم (١٤٢٩)] [وقد روي القنوت في الوتر قبل الركوع، من حديث ابن مسعود، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث الحسن بن علي، ولا يثبت منها شيء، فهي أحاديث منكرة أو شاذة، تقدم تخريجها في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (١/ ٣٦٢/ ١٧٥)، [كما ثبت أيضًا لقنوت في الوتر بعد الركوع من فعل أبي بن كعب، لما صلى التراويح بالناس بأمر عمر في النصف الثاني من رمضان. تقدم برقم (١٤٢٩)].

ولعل البخاري استروح إلى هذا المعنى، حيث ترجم للقنوت في آخر أبواب الوتر، فقال: "باب القنوت قبل الركوع وبعده"، ثم صدره بحديث محمد بن سيرين عن أنس في القنوت في الصبح بعد الركوع، ثم ثنى بحديث عاصم الأحول عن أنس، فكأنه جعل شطره الأول من قول أنس في القنوت قبل الركوع مختصًا بالوتر، ثم جعل شطره الثاني المرفوع في قنوت النازلة بعد الركوع، وإلا لم يكن لإدخال البخاري هذا الحديث في أبواب الوتر معنى، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>