وأما قنوت النازلة في الفريضة فقد ثبت من حديث أنس وأبي هريرة وابن عمر وخفاف بن إيماء: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قنت فيها بعد الركوع، والله أعلم.
وعلى هذا فالعمل في حديث أنس هذا بقول أكثر أصحابه، لا سيما وفيهم محمد بن سيرين، حيث رواه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-؛ أنه سئل: هل قنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الصبح؟ قال: نعم، فقيل له: قبل الركوع أو بعده؟ قال: بعد الركوع يسيرًا.
وهذا نععلى أن قنوت النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان بعد الركوع، ولعل الوهم وقع لبعض أصحاب أنس، فأدرج قوله الموقوف عليه في القنوت قبل الركوع، في المرفوع بعد الركوع، والله أعلم.
• خالف هؤلاء فوهم في متنه:
أ- أبو جعفر الرازي، فرواه عن عاصم، عن أنس قال: قنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصبح بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب، وكان قنوته قبل ذلك وبعده قبل الركوع.
أخرجه عبد الرزاق (٣/ ١٠٩/ ٤٩٦٣)، والبيهقي في الخلافيات (٣/ ٣٤٠/ ٢٥٥٠)، وقال:"رواته ثقات". والحازمي في الاعتبار (١/ ٣٧٨/ ١٢٠)، وقال:"هذا إسناد متصل، ورواته ثقات". [المسند المصنف (١/ ٧٠٧/ ٥٣٤)].
قلت: هذا حديث منكر بهذا اللفظ، تفرد به: أبو جعفر الرازي، عيسى بن أبي عيسى، وهو: ليس بالقوي، روى مناكير [التهذيب (٤/ ٥٠٤)] [وانظر: بيان الوهم (٢٧٣)، بغية النقاد النقلة (٢/ ٢٤٣)].
ب- وروى الحسين بن عمر بن برهان [قال الخطيب:"كتبت عنه، وكان شيخًا ثقة صالحًا، كثير البكاء عند الذكر". تاريخ بغداد (٨/ ٦٤٠ - ط الغرب)، السير (١٧/ ٢٦٥)، تاريخ الإسلام (٩/ ٢٠٣ - ط الغرب)]: ثنا إسماعيل بن محمد الصفار [ثقة. الإرشاد (٢/ ٦١٢)، تاريخ بغداد (٧/ ٣٠١ - ط الغرب)، السير (١٥/ ٤٤٠)، تاريخ الإسلام (٧/ ٧٦٦ - ط الغرب)، اللسان (٢/ ١٦٥)، الثقات لابن قطلوبغا (٢/ ٤٠٤)]: أنا عبد الرحمن بن مرزوق: ثنا شبابة: ثنا قيس بن الربيع، عن عاصم بن سليمان، قال: قلنا لأنس: إن قومًا يزعمون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يزل يقنت بالفجر، فقال: كذبوا، إنما قنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهرًا واحدًا، يدعو على حي من أحياء المشركين.
أخرجه الخطيب في القنوت (٢/ ٤٣٣/ ١٠٨٤ - التنقيح لابن عبد الهادي)، وابن الجوزي في التحقيق (٦٨٢)، وذكره ابن عبد الهادي في التنقيح (٢/ ٤٣٣/ ١٠٨٤).
قلت: وهذا حديث باطل؛ عبد الرحمن بن مرزوق بن عطية أبو عوف البزوري، قال عنه الدارقطني:"لا بأس به"، ووثقه الخطيب، لكن قال ابن حبان في المجروحين:"شيخ كان بطرسوس، يضع الحديث، لا يحل ذكره إلا علي سبيل القدح فيه"، واتهمه بوضع حديث: "لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن، بهم تغاثون، وبهم