وقد قيل: إن أبا بكر ابن أبي شيبة تكلم في يحيى بن معين لأجل تفرده بهذا الحديث عن حفص بن غياث، وأنه ليس في كتب حفص، ولا في كتب ابنه عمر؛ لكن هذه الحكاية لا تثبت؛ حيث تفرد بها عن ابن أبي شيبة: حسين بن حميد بن الربيع الخزاز الكوفي، وحسين هذا كذبه مطين، وقال الخليلي:"محله الصدق، ويروي الغرائب، سمع منه شيوخ بغداد، ليس بالمتين"، وقال ابن عدي:"وهذه الحكاية لم يحكها عن أبي بكر بن أبي شيبة غير حسين بن حميد هذا، وهو متهم في هذه الحكاية، وأما يحيى بن معين: فهو أجلُّ من أن يقال فيه شيء مثل هذا، لأن عامة الرواة به يُستَبرأ أحوالهم، وهذا الحديث قد رواه عن حفص بن غياث: زكريا بن عدي"، ثم أسنده من طريقه، ثم قال:"وقد رواه عن الأعمش أيضًا: مالك بن سعير، والحسين بن حميد: عندي متهم فيما يرويه، كما قال مطين"، وكان ابن عدي قد ذكر هذه الحكاية في ترجمة ابن معين من مقدمة الكامل، ثم قال:"وقد روى هذا الحديث مالك بن سعير عن الأعمش، وما قاله أبو بكر بن أبي شيبة إن كان قاله؛ فإن الحسين بن حميد: لا يعتمد على روايته في ابن معين؛ لا شيء، فإن يحيي أوثقُ وأجلُّ من أن ينسب إليه شيءٌ من ذلك، وبه يُستبرأ أحوال الضعفاء، وقد حدث به عن حفص غير يحيى: زكريا بن عدي، من رواية أبي عوف البزوري عنه" [الكامل لابن عدي (١/ ٣٠٩ - ط الرشد) و (٤/ ٣٤ - ط الرشد)، الإرشاد (٢/ ٦٢٢)، تاريخ بغداد (٨/ ٥٦٥ - ط الغرب) و (٩/ ٧٨ - ط الغرب)، ترتيب الأمالي الخميسية (٢٣١٦)، تاريخ دمشق (٦٥/ ٦)، تاريخ الإسلام (٥/ ٩٦٧ - ط الغرب)، اللسان (٣/ ١٥٩)، وانظر: إكمال مغلطاي (٢٥٣ - التراجم الساقطة)، التنكيل (١/ ٤٥٠)].
قال الذهبي في السير (١١/ ٧٦) بعد ذكر كلام ابن عدي: "قلت: فحاصل الأمر: أن يحيى بن معين مع إمامته: لم ينفرد بالحديث، ولله الحمد" [وإن كان قد جزم قبل ذلك بتفرده عن حفص بهذا الحديث. انظر: السير (٩/ ٣٢)، قال:"وهو يعد في أفراد يحيى بن معين". و (١١/ ٧٥)].
قلت: فزال بذلك تفرد يحيى بن معين بهذا الحديث عن حفص بن غياث؛ تابعه: زكريا بن عدي بن الصلت، وهو: ثقة حافظ.
أخرجه ابن عدي في الكامل (٤/ ٣٥/ ٥٣٦٣ - ط الرشد).
فإن قيل: فإن الراوي عن زكريا بن عدي هو: أبو عوف عبد الرحمن بن مرزوق البزوري، فقد قال عنه الدارقطني:"لا بأس به"، ووثقه الخطيب والسمعاني، وروى عنه جماعة من كبار الحفاظ والنقاد، لكن قال ابن حبان في المجروحين:"شيخ كان بطرسوس، يضع الحديث، لا يحل ذكره إلا على سبيل القدح فيه"، واتهمه بوضع حديث:"لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن، بهم تغاثون، وبهم ترزقون، وبهم تمطرون"، ولم ينكر عليه غيره [المجروحين (٢/ ٦١)، سؤالات الحاكم (١٤٤)، تاريخ بغداد (١١/ ٥٦٣ - ط الغرب)، الأنساب (١/ ٣٤٣)]، وقال الذهبي:"هذا كذب" [السير