الكوفة حين قدم عليهم عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فنسبوه: ابن جابر]، بينما تكلموا في أسباط بن محمد، فقال فيه ابن معين:"الكوفيون يضعفونه، وهو عندنا ثبت فيما يروي عن مطرف والشيباني، وقد سمعت أنا منه"، وقال العقيلي:"ربما يهم في الشيء"، وقال ابن سعد:"كان ثقة صدوقًا؛ إلا أن فيه بعض الضعف"، وله أوهام كثيرة عن الأعمش وغيره [التاريخ الكبير (٢/ ٥٣)، علل الترمذي الكبير (٦٦٣)، ضعفاء العقيلي (١/ ١١٩)، علل ابن أبي حاتم (١٣٩٨)، علل الدارقطني (٥/ ٧٥/ ٧٢٢) و (٨/ ١٦٥/ ١٤٨٣) و (٩/ ٢٩٦/ ١٧٧٣) و (١١/ ١٨٧/ ٢٢١٢) و (١١/ ٣٤٥ /٢٣٢٨) و (١٢/ ٩٢/ ٢٤٦١)، أطراف الغرائب والأفراد (٣٥٤١ و ٣٥٤٤ و ٥٦٠٩)، التهذيب (٣/ ١٠٩)].
وبهذا يظهر حسن تصرف الإمام مسلم في تصحيح هذا الحديث، وأنه لم تخف عليه تلك العلة التي أعله بها بعضهم، فأحب أن ينبه على ذلك بإخراج رواية أبي أسامة والتي جاء فيها التصريح بالسماع، تنبيهًا على إعمال هذه الرواية، وأنها دالة على اتصال سنده، وتنبيهًا على إهمال رواية أسباط، والتي وهم فيها حين قال عن الأعمش: حدثت عن أبي صالح، والله أعلم.
° ولا يُعترض عليَّ حين أعملت رواية الاتصال هنا وقدمتها على رواية الانفصال، بصنيعي خلاف ذلك في حديث:"الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن" [راجع: فضل الرحيم الودود (٦/ ١٠٩/ ٥١٨)]:
وذلك لأن رواية الاتصال هناك قد تفرد بها هشيم بن بشير، وقد اختلف عليه، والمحفوظ عنه عدم إثبات السماع بين الأعمش وأبي صالح، وإنما الصواب عنه بالعنعنة، وذلك فضلًا عن كون هشيم لم يسمع هذا الحديث من الأعمش؛ فقد قال أبو داود في مسائله للإمام أحمد (١٨٧١): "سمعت أحمد يقول: هشيم لم يسمع حديث أبي صالح: "الإمام ضامن" من الأعمش؛ وذاك أنه قيل لأحمد: إن هشيمًا قال فيه: عن الأعمش، قال: ثنا أبو صالح"، فسقط حينئذ الاعتماد على هذه الرواية في إثبات السماع [بخلاف رواية أبي أسامة هنا]، وأما الروايات الأخرى التي روي فيها السماع، فقد وردت بصيغة الشك بين السماع والانقطاع.
وأما رواية أسباط بن محمد التي احتججت بها على إثبات الانقطاع، حيث قال عن الأعمش: حُدِّثت عن أبي صالح، فلم ينفرد بها أسباط، بل تابعه عليها: أبو بدر شجاع بن الوليد، وتابعهما أيضًا: محمد بن فضيل، فقال: ثنا الأعمش، عن رجل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
وهذا أصرح من الذي قبله في ثبوت واسطة مبهمة بين الأعمش وبين أبي صالح.
وذلك فضلًا عن كون إبراهيم بن حميد الرؤاسي، وعبد الله بن نمير، روياه عن الأعمش، قال: نُبِّئْتُ عن أبي صالح؛ قال: ولا أُراني إلا قد سمعته منه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: ... فذكراه، هكذا على الشك في السماع، واللفظ لابن نمير.