فقال: "كذا قال، وهو كذلك، ولكنه بقي عليه أن يبين منه موضع العلة، وهو الجهل بحال حرام بن حكيم الدمشقي، ... إلى أن قال: وإذا جعلت حرامًا هذا موضع علة الخبر على ما أراه، فإن كان ذلك أيضًا معنيَّ أبي محمد، فقد ناقض فيه، وذلك أنه لا يزال يقبل أحاديث المساتير الذين يروي عن أحدهم أكثر من واحد ... ".
ثم ذكر أن حرامًا هذا قد روى عنه جماعة.
ثم تعقبه في تضعيفه لحرام بقوله: "ولا أدري من أين جاءه تضعيفه، وإنما هو مجهول الحال، فاعلم ذلك" [بيان الوهم (٣/ ٣١٢)].
قلت: خفي على ابن القطان أمر من ضعفه ومن وثقه، فهو الذي جهل حاله، ولم يعلم أقوال من تقدمه فيه، أما أبو محمد عبد الحق فقد تبع في تضعيفه ابن حزم.
وأما حرام بن حكيم: فليس بمستور، ولا مجهول الحال، فقد وثقه: دحيم، والعجلي [معرفة الثقات (٢٧٩)، التهذيب (٢/ ٢٠١)]، ولما ذكر الدارقطني في سننه حديثًا في إسناده حرام هذا، قال بعده: "هذا إسناد حسن، ورجاله ثقات كلهم" [السنن (١/ ٣٢٠)].
ومنه أخذ الغساني قوله: "وقال الدارقطني: هو ثقة" [إكمال مغلطاي (٤/ ٢٠)، التهذيب (٢/ ٢٠١)].
وعلى كلٍّ؛ فإن ابن القطان قد وافق عبد الحق في تضعيف الحديث كما تقدم.
وتعقب الذهبي أيضًا عبدَ الحق، فقال في الميزان (١/ ٤٦٧): "قال أبو محمد عبد الحق: لا يصح هذا، وعليه مؤاخذة في ذلك، فإنه يقبل رواية المستور، وحرام فقد وُثق؛ وحدث عنه زيد بن واقد، وعبد الله بن العلاء أيضًا، وروى أيضًا عن أبي هريرة؛ فحديثه مع غرابته يقتضي أن يكون حسنًا، والله أعلم".
وأما ابن حجر فكأنه تأثر بأقوالهم فقال في التلخيص (١/ ٢٠٧): "وفي إسناده ضعف"، وكأنه تراجع عن هذا في التهذيب والتقريب حين وثق حرام بن حكيم.
وهذا الحديث قد تفرد به عن عبد الله بن سعد الأنصاري: حرام بن حكيم، وتفرد به عنه: العلاء بن الحارث: وهو ثقة.
وهو حديث صحيح من حيث الجملة؛ روي معناه من أحاديث عدد من الصحابة، سواء فيما يوجب الغسل، أو في المذي، أو في الصلاة في البيت، أو في مؤاكلة الحائض، أو فيما يحل منها.
فهذه المسائل كلها قد صحت فيها أحاديث.
إلا أن زيادة: "وأنثييك" لا يشهد لها حديث صحيح.
فإن حديث علي بن أبي طالب في المذي، لا تصح فيه زيادة: "وأنثييه" وإنما هي شاذة، والمنكر أبدًا منكر، لا يشهد لغيره، لعدم ثبوته أصلًا.
وعليه فإنا لا نقبل مثل هذا الحكم الذي ينفرد به حرام بن حكيم فإنه ليس بحجة، وإن كان قد وُثق إلا أنه قليل الحديث، ولم يكن مشهورًا بالطلب، والله أعلم.