للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مسألة الناس، واستئكالهم بالقرآن [وفي رواية: واشتغالهم بالقرآن]، وأن يكون في نفسه بحمله القرآن غنيًا، وإن كان من المال معدمًا" [مستخرج أبي عوانة (١١/ ٩١/ ٤٣١٠)].

وقال في غريب الحديث (١/ ٣٨٤): "كان سفيان بن عيينة يقول: معناه: من لم يستغن به، ولا يذهب به إلى الصوت، وليس للحديث عندي وجه غير هذا؛ لأنه في حديث آخر كأنه مفسر.

حدثني شبابة، عن حسام بن مصك، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن نهيك أو ابن أبي نهيك، قال حسام: فلقيت عبد الله بن نهيك أو ابن أبي نهيك، فحدثني أنه دخل على سعد، وعنده متاع رثٌّ، ومال رثٌّ، فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".

قال أبو عبيد: "فذكره رثاثة المتاع والمال عند هذا الحديث، ينبئك أنه إنما أراد الاستغناء بالمال القليل، وليس الصوت من هذا في شيء، ... "، ثم ذكر شواهد أخرى، ثم قال: "ومعنى الحديث: أنه لا ينبغي لحامل القرآن أن يرى أن أحدًا من أهل الأرض أغنى منه، ولو ملك الدنيا برحبها. ولو كان وجهه كما يتأوَّله بعض الناس؛ أنه الترجيع بالقراءة وحسن الصوت لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك، أن يكون من لم يرجِّع صوته بالقرآن، فليس من النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن". وهذا لا وجه له"، ثم ذكر من كلام العرب ما يشهد لذلك.

قلت: حسام بن مصك: متروك، ولا يعتبر به.

* وقال ابن جرير الطبري في تفسيره (١٧/ ١٤١): "وذكر عن ابن عيينة أنه كان يتأول هذه الآية؛ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن أي: من لم يستغن به، ويقول: ألا تراه يقول {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [الحجر: ٨٧، ٨٨] فأمره بالاستغناء بالقرآن عن المال، قال: ومنه قول الآخر: من أوتي القرآن فرأى أن أحدًا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظَّم صغيرًا وصغَّر عظيمًا".

* وقال الطحاوي في شرح المشكل (٣/ ٣٥٠): "فتأملنا معنى هذا الحديث، فوجدنا الناس فيه على قولين: فقوم منهم يقولون: أريد به الاستغناء بالقرآن عن الأشياء كلها؛ لأنه قد يكون بذلك الجزاء الجزيل في الآخرة، والوصول به من الله عز وجل إلى عاجل خيره في الدنيا، وقوم يقولون: هو على تحسين الصوت؛ ليرقَّ له قلب من يقرؤه"، ثم استشهد ببعض المرويات في الباب، ثم قال: "فكان قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن"، ذمًا لمن لم يفعل ذلك، ... ، ووجدنا من قرأ القرآن بغير تحسين منه له صوته مريدًا بقراءته إياه الأحوال المحمودة، مثابًا على ذلك غير مذموم عليه، فعقلنا بذلك أن يكون مراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "من لم يتغن بالقرآن" هذا المعنى، ولما انتفى ذلك المعنى عنه، ولم يُقَل في تأويله غير هذين القولين، وانتفى أحدهما: ثبت الآخر منهما، وهو الاستغناء به عن سائر الأشياء سواه، والله أعلم بمراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك القول، وإياه نسأله التوفيق".

<<  <  ج: ص:  >  >>