* وقال الخطابي في معالم السنن (١/ ٢٩١): "هذا يتأوَّل على وجوه؛ أحدها: تحسين الصوت، والوجه الثاني: الاستغناء بالقرآن عن غيره، وإليه ذهب سفيان بن عيينة، ويقال: تغنى الرجل بمعنى: استغنى، قال الأعشى:
وكنت امرأ زمنا بالعراق ... عفيف المنازل طويل التغني
أي: الاستغناء.
وفيه وجه ثالث: قاله ابن الأعرابي صاحبنا، أخبرني إبراهيم بن فراس، قال: سألت ابن الأعرابي عن هذا، فقال: إن العرب كانت تتغنى بالركباني، إذا ركبت الإبل، وإذا جلست في الأفنية، وعلى أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون القرآن هجيراهم؛ مكان التغني بالركباني".
وقال في أعلام الحديث (٣/ ١٩٤٤) شارحًا حديث أبي هريرة الآتي (١٤٧٣): "وقوله: "يتغنى بالقرآن"، معناه: يحسِّن الصوتَ به، وذلك لأنه غنى إذا حسَّن الصوتَ به؛ كان أوقع في النفوس وأنجع في القلوب.
وقال سفيان: يتغنى، معناه: يستغني به.
وفيه وجه ثالث: ذهب إليه أبو سعيد ابن الأعرابي في قوله: "ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن"، قال: كانت العرب تولع بالغناء والنشيد في أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون هجيراهم مكان الغناء، فقال: "ليس منَّا منْ لم يتغنَّ بالقرآن"".
وقد رد ابن جرير الطبري على من تأوله بالاستغناء، بكلام طويل جدًا، ورجح تأويله بتحسين الصوت [انظر: زاد المعاد (١/ ٤٦٧ - ٤٧٠)].
* وانظر أيضًا: الزاهر في المعاني (٢/ ٥)، تهذيب اللغة (٨/ ١٧٤)، معاني الأخبار (٢١٢)، أعلام الحديث (٢/ ١١٨٤)، غريب الحديث (١/ ٦٥٦)، الغريبين في القرآن والحديث (٣/ ٨٤٦) و (٤/ ١٣٩٢)، وغيرها كثير جدًا.
* وقد روي حديث مرفوع يؤيد هذا المعنى، لكنه لا يثبت:
* رواه جنادة بن مروان: نا الحارث بن النعمان، قال: سمعت الحسن، قال: سمعت أبا ذر، يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا لأصحابه: "أي الناس أغنى؟ "، قالوا: أبو سفيان، وقال آخر: عبد الرحمن بن عوف، وقال آخر: عثمان بن عفان -رضي الله عنهم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا، ولكن أغنى الناس حملة القرآن؛ من جعله الله في جوفه".
أخرجه أبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (٨٩)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٣٧/ ٣٥٥).
وهذا حديث منكر؛ الحارث بن النعمان الليثي: منكر الحديث [التهذيب (١/ ٣٣٨)]، وجنادة بن مروان الحمصي: قال أبو حاتم: "ليس بقوي، أخشى أن يكون كذب في حديث عبد الله بن بسر ... "، وأول ابن حجر الكذب هنا بالخطأ، بينما رآه الذهبي اتهامًا [الجرح والتعديل (٢/ ٥١٦)، تاريخ الإسلام (٥/ ٢٨٩)، اللسان (٢/ ٤٩٥)].